صعود الغوغائية السياسية
برز في المعركة الانتخابية الأخيرة في أميركا ، اتجاه جديد في ممارسة السياسة العامة يمكن في أحسن الأحوال وصفه بالشعبوية والصوت العالي ، وفي أسوأ الحالات غوغائية.
المرشـح الجمهوري دونالد ترامب يمثل نموذجاً للغوغائية الأميركية بالاتجاه اليميني ، وبيرني ساندرز، الذي نافس هيلاري كلينتون على ترشيح الحزب الديمقراطي ، يمثل نموذجاً للغوغائية الأميركية بالاتجاه اليساري ، وهذه الحالة لا تقتصر على أميركا ولا على الانتخابات الرئاسية فقط بل تمتد حول العالم ، وتجد تجاوباً وصدى بين الجماهير وخاصة في موطن الديمقراطية ، أي أوروبا الغربية وشمال أميركا.
في أوروبا صعدت الغوغائية اليمينية في خمس دول أوروبية على الأقل ، بصورة أحزاب يمينية متطرفة لا تخجل من إعلان مواقفها المتشددة والعدوانية ، كما يتجلى ذلك في الموقف تجاه اللاجئين الأجانب من سوريين وغيرهم ، وبالأخص إذا كانوا مسلمين.
تدل استطلاعلات الرأي على أن مارين لابين زعيمة حزب الجبهة القومية في فرنسا إلى أنها تقترب من منصب رئاسة الجمهورية ، ولو أجريت الانتخابات اليوم لكانت في المركز الثاني لتدخل جولة الإعادة.
الغوغائية في السياسة ليست جديدة تماماً ، فقد مارسها هتلر في ألمانيا وموسوليني في إيطاليا ، وكانت النتيجة حرباً عالمية مدمرة.
معظم الحاكمين أو المتطلعين إلى الحكم في العالم العربي وأنصارهم ُيعتبرون خبراء في ممارسة الغوغائية لكسب الشعبية ، يكفي أن نتذكر أحمد سعيد في إذاعة صوت العرب من القاهرة ، ومحمد السقاف وزير إعلام العراق خلال العدوان الأميركي الكبير.
بصرف النظر عن الاعتبارات الأخلاقية (إذا كان لهذه الاعتبارات مكان في السياسة) فإن الغوغائية سلاح فعال يحقق نتائج ملموسة على صعيد الجماهير ، ولعل أبرز مثال على ذلك جر الشعب البريطاني للتصويت على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي دون إدراك للنتائج والتداعيات الكارثية على بريطانيا ووحدة أوروبا.
يشبـّه البعض الغوغائية بالفاشية ، ويؤكد آخرون أنها اللغة التي تدخل في قلوب الناس دون استئذان ، وهي على كل حال اتجاه عالمي موجود في الديمقراطيات بقدر ما هو موجود في الدكتاتوريات.
الغوغائية أو سياسة الصوت العالي تأتي على أشكال مختلفة ، ولكن يجمع بينها أنها تمثل ثورة ضد المؤسسة الرسمية ، أو ضد الطبقة الحاكمة ، أو ضد الأغنياء ، أو ضد الأجانب أو ما يمكن أن يسمى الآخر.
لم تعد الغوغائية السياسية مقتصرة على الجانب الاقتصادي والانقسام الاجتماعي بين الأغنياء والفقراء ، بل امتدت لتشمل قضايا أخرى ذات أهمية متزايدة كالثقافة والبيئة والهجرة والعصبيات الدينية والمذهبية والقومية.
(الراي2016-11-11)