أجندة جديدة للعالم
خلال الأسابيع القادمة وحتى يصل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الابيض سوف تتنافس مئات التقارير وتقديرات الموقف التي ستأتي من مختلف أنحاء العالم ومن زوايا مختلفة وأحيانا متناقضة ترسم شكل العالم الجديد في عهد الجمهوريين الجدد، لا شيء يمنع من إطلاق العنان للخيال حتى آخر حدود المعقول واللامعقول؛ فالاحتمالات جميعها واردة في العالم الجديد من قيام حرب عالمية ثالثة مرورا باستخدام الأزرار النووية وصولا إلى ربيع عالمي ينعم بالاستقرار وبتهدئة للصراعات الدولية والاقاليمية فيما تذهب معظم التوقعات إلى أن التحولات القادمة سوف تشهد توافقات غير مسبوقة بين القوتين الأعظم في العالم.
فيما تذهب إحدى الفرضيات إلى أن هذا النمط من القيادات وارد في العالمين الديمقراطي والشمولي وشهد العالم نماذج من النوعين مرارا، ولكن في العالم الديمقراطي تميل المؤسسات الديمقراطية إلى السيطرة أكثرعلى مقاليد الحكم ويصبح الرئيس ذا حضور شكلي يوقع في نهاية اليوم على ما ترتبه المؤسسات، ولكن هذا الأمر غير مضمون إذا ما ارتبط الإطار السياسي الذي يفرض زعيما غير تقليدي بنزعة ايديولوجية ظاهرة أو خفية؛ ألم يصعد أدولف هتلر وموسوليني من خلال صناديق الاقتراع ومن خلال أحزاب سياسية وفي بلدان ديمقراطية.
العالم لا يتوقف عن التغير، ولا يتوقف عن الانتكاس أيضا. لكن، على الرغم من سلسلة من التوقعات التي تفرضها أجندة الخبراء والمراكز البحثية حول شكل العالم في عهد الجمهوريين الجدد، فإن هذه التوقعات التي تشكل مصفوفات سياسية واستراتيجية واقتصادية يحمل كل منها النقيض على طول الخط.
الاتجاه الذي يذهب إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تحسنا يصل إلى حدّ التفاهم على ملفات عديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الروسي استنادا إلى تصريحات الرئيس الأميركي المنتخب الذي كرر إعجابه بالقيادة الروسية، يبقى في دائرة الاحتمالات. فثمة حسابات مصالح عديدة وفي ملفات خطيرة لن تجد توافقا بين الطرفين، كما هو الحال بشأن أوروبا؛ فالنزعة اليمينية المحافظة ليست بعيدة عن أوروبا وهناك احتمالات لصعود نخب سياسية جديدة تلتقي مع واشنطن الجديدة؛ فخريطة الاستقطاب بين القوى الفاعلة والقائدة في النظام الدولي حتما ستقود إلى استقطابات جديدة ولكن ليس بالضرورة بالطريقة التي يروج لها.
ان استعادة الولايات المتحدة القوية لا يعني الانكفاء إلى الداخل والعزلة عن العالم، صحيح أن ترامب وعد بالعودة للشعار التاريخي اميركا أولا، والاهتمام بإعادة بناء الاقتصاد، ولكن علينا أن نلتفت إلى أن مصالح المجمع الاقتصادي الصناعي الذي جاء منه ترامب تتطلب نزوعا للتدخل الخارجي وأحيانا عدائيا ومدمرا، ولدينا أمثلة عديدة من التاريخ.
قس على ذلك صعوبة التخلي عن اتفاقات معقدة مثل الاتفاق الإيراني أو حتى عن القضايا العالمية الكبرى التي استثمرت فيها الولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا مثل قضية الاحتباس الحراري أو قضايا البيئة أو حتى حقوق الإنسان. المبدأ الاول الثابت في السياسة الخارجية الأميركية المعلنة منذ صدور مبادئ ولسون في العقد الثاني من القرن العشرين الماضي، في المحصلة من سيحكم الولايات المتحدة في السنوات الأربع القادمة هي المصالح الأميركية ثم المؤسسات الأميركية ثم فريق دونالد ترامب.
(الغد 2016-11-13)