هل «ينسحب» ترامب من الاتفاق النووي ؟
على رأس المخاوف التي أثارها فوز دونالد ترامب في إنتخابات الرئاسة الاميركية,يأتي الإتفاق النووي»الدولي» مع ايران, الذي أبرمته مجموعة (5+1) في تموز 2015, ووجد طريقه الى مجلس الامن تأييداً ومُصادقة, اشاع في حينه, أجواء مُتبايِنة من الارتياح والرفض والمواقف الحذِرة وتلك المُشكِكة,على نحو بدا فيه الانقسام واضحا في المنطقة العربية,حيث التقت معظم دولها على ارضية رافضة ومحذِرة من اتفاق كهذا, اعتبرته» مكافأة» لطهران, فيما وصل الصخب و»التهديد» الصهيوني ذروتهما, محمولان بالطبع على ابتزاز واضح باستثمار هذا الاتفاق, لتحصيل المزيد من المكاسب والامتيازات لإسرائيل»تعويضا» عن «المخاطر» التي ستتعرّض لها جرّاء هذا الإتفاق, الذي وإن كان سرَّع في رفع بعض العقوبات القاسية التي كانت فرضتها واشنطن والدول الغربية, على إيران واعترف بكونها دولة تمتلك المعرفة التكنولوجية, التي تؤهلها للحصول ذات يوم على عضوية النادي النووي, إلا أنّه في الآن ذاته, أطال المدة المطلوبة؛ لتحقيق الهدف الإيراني إلى ما بعد خمسة عشر عامًا من توقيع الاتفاق, أي في عام 2030 بافتراض سارت الأمور وفق ما نصَّ عليه الاتفاق, ولم يجرِ التراجع عنه, أو الانسحاب منه, أو تدخُّلات المنظمة الدوليّة للطاقة الذريّة, لوضع إيران في دائرة الإدانة والاستهداف, بذريعة أنّها أخلّت ببنوده.
ما علينا...
كان ترامب في معرض سعيه الحصول على بطاقة ترشيح الحزب الجمهوري له؛ لخوض معركة الرئاسة, قد وصف الاتفاق النووي بأنّه «كارثة» وأسوأ اتفاق جرى التفاوض عليه, على الاطلاق, وقال: انّه «قد يؤدي إلى محرقة نووية» مُتعهِدا في الوقت عينه, بأنّه إذا ما وصل إلى البيت الأبيض, فإنه سيسارع إلى «إلغائه».
اوإذ بات جلوسه على المكتب البيضاوي, في العشرين من كانون الثاني القريب, مُؤكَّداً – ما لم تحدث معجزة تحول دون ذلك - فقد برز إلى سطح الأسئلة الكبيرة التي لا أجوبة عليها حتّى الآن, السؤال «النووي» وهل سيفي ترامب بوعوده؟ أم أنّه سيجد الوسيلة والحيلة لتبرير تراجعه؟ واعتبار ما قاله أثناء حملته الانتخابية مجرّد «بضاعة» يبيعها لجمهور الناخبين, واللوبيّات ذات النفوذ وفي مقدّمتها اللوبي اليهودي, وذلك المُتصِّهين, كي ينال رضاه.. «أمواله» والأصوات؟
اللافت في كل ما جرى بعد الإعلان عن فوز ترامب, واندلاع المزيد من الأسئلة, حول ما قد يُقدِم عليه الرئيس المُنتخَب, هو البيان الذي صدر عن الخارجية الإميركية يوم الجمعة الماضي, والذي يقول بأنّه: لا يوجد أيّ مانع يحول دون «انسحاب» الولايات المتّحدة من الاتفاق النووي مع إيران, إذا ما أراد الرئيس الإميركي المُقبل.. ذلك. بل إنّ مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأميركية, صرَّح بأنّ «بِوُسعِ» أي طرف من الأطراف الموقِّعة على اتفاق إيران و»السداسية» الدوليّة حول برنامج طهران النووي, الانسحاب منه.. «بلا عائق».
تصريحات ترامب تكشف بعضًا مما يدور في واشنطن من جدل وسجالات, حول هذا الموضوع الذي اعتبرته إدارة أوباما جزءًا رئيسًا من «نجاحاتها», فضلًا عن عجز واشنطن نسف الاتفاق أو الغائه, لأنّ دولًا خمس (كبرى) ما تزال تلتزِمه ولا تفكّر بالتراجع عنه, ما سيضع إدارة ترامب في موقف صعب, حتّى باختلاف صحة ما نُقِل عن محيطه, بأنّه لا يريد الغاء الاتفاق بل «تعديله», وهو أمر سيكون صعبًا أيضًا إذا ما عارضته طهران نفسها, وهي ستفعل ذلك بالتأكيد, على ما ألمح إليه وزير خارجيتها, جواد ظريف, في تصريحاته الأخيرة, عندما قال: أنّ بلاده «تريد» أن تلتزم الأطراف كافة, بالاتفاق النووي المبرم معها.. مستطردًا في تخذير واضح: لكن... لدينا «خيارات» إذا لم يحدث ذلك.
ثَمّة إذًا عقبة واضحة تكاد تكون سببًا في اندلاع خلاف «دولي» حول المسألة, في ما لو مضى ترامب في تحقيق «وعدِه», سواء بالإلغاء أو التعديل, ونحسب أن لديه أولويات ذات صفة عاجلة, تتقدم على هذا الاتفاق, الذي مضى على توقيعه عام ونصف, ناهيك عن أنّ حكومة نتنياهو «قبضت» ثمنه, بمساعدات عسكرية وأمنية واقتصادية, «خرافية» منحها أوباما, وصلت إلى 38 مليار دولار لعشر سنوات مُقبلات, تبدأ في العام 2019.
اللافت في السجال الذي ما يزال محتدما حول الموضوع, على أكثر من مساحة, وعبر المحيطات, هي تصريحات الأمير تركي الفيصل الذي «عارَضَ» قيام ترامب بإلغاء الاتفاق, مُفسِّراً ذلك بالقول: لقد جرى العمل على الاتفاق النووي لسنوات عديدة, والإجماع العام في العالم, وليس في الولايات المتحدة فقط, هو أنّه حقق هدفًا, وهو الفجوة لمدة 15 عامًا في البرنامج الذي شرعت فيه إيران لتطوير أسلحة نووية, ليخلص الامير الذي لا يشغل منصِبا رسميا إلى القول: إلغاء ذلك, شئنا أم أبينا, سيكون له تداعيات, ولا أعرف ما إذا كان من الممكن وضع شيء مكان الاتفاق لضمان أنّ إيران, لن تسير في هذا الطريق إذا أُلغي الاتفاق, ليُطالِب ترامب بِـ»مُعاتبة» أو توبيخ طهران على أنشطتها, التي تنطوي على قدر كبير من المغامرة وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
في السطر الأخير فإنّ احتمالات إلغاء أو تعديل الاتفاق, تبدو مُستبعَدة, في ظل التحذيرات التي تطرحها جهات ودوائر عديدة, سواء كانت أمريكية أم إقليمية, ما بالك من قِبَل الدول «الخمس» الأخرى المُوقِعة على الاتفاق؟
(الراي 2016-11-14)