«الربيع الأميركي» عودة الرجل الأبيض !
الانتخابات الرئاسية في أميركا خطفت الأضواء ، وما زالت ، حيث تواجه الولايات المتحدة تداعيات نتائجها . فقد ثبت أن صناديق الأقتراع لا تعطي أفضل ما لديها في كل الأوقات ، بل قد تفرز الأسوأ في بعض الأحيان . لذلك نرى أن الأنتخابات الرئاسية في اميركا قادت الى انتفاضة وأعمال شغب وفوضى ، في ما يشبه « الربيع الأميركي « ، رغم أن العملية الأنتخابية تمت ضمن حدود وشروط الديمقراطية الغربية ، التي تتباهى بها الولايات المتحدة .
غالبية الشعب الأميركي انتخبت ترامب ، ولأن هذا الأختيار لم يعجب الأخرين ، نزلوا الى الشارع بطريقة غير سلمية ليعلنوا رفضهم « الرئيس المنتخب « ، على طريقة الحراكات المفتعلة في دول العالم الثالث ، والتي قادت الى كوارث في بلاد عديدة .والمعروف أن لواشنطن اساليبها المتعددة في تغيير الأنظمة ، مثل الغزو العسكري ، أوعبر نهج الأحتواء الناعم ، أو الدعم السياسي لقوى المعارضة في عصيانها المدني ، وبالتالي قلب نظام الحكم ، كما حدث في البرازيل وفنزويلا .
قبل ايام مضت شاهدنا عودة الرجل الأبيض الى بيته الأبيض ، من خلال كسر نمط الحكم المألوف في اميركا ، وبطريقة تسببت بالتباس الهوية في انقسام طارىء ، ووسط غموض في مفهوم الأنتماء، في عملية أخرجت أميركا من جلدها .الرئيس الجديد دخيل على عالم السياسة ، عاش حياته في مدن المال وشارع البورصة التي حققت ارتفاعا غير مسبوق ، فهو يتقن اللعب في عالم البزنس والجمال والأعلام ، كما ينتسب الى اليمين الأميركي المحافظ المتعصب ، الموسوم بالتمييز العنصري والعبودية المشتهاة ، خصوصا في الولايات الجنوبية العالقة في الماضي .
في ضوء ما حدث ، ويحدث في الولايات المتحدة ، يمكن أن نملك شيئا من الجرأة لنطلب من الولايات المتحدة ’ في عهدها الجديد ، الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ، لأنه ليس من حقها أن تفرض على الشعوب والدول شكل الحكم أو اختيار الرئيس الذي تريد . فمن حق الشعوب أن تختار قادتها وتقرر مصيرها بنفسها .
انتهت معركة الرئاسة الأميركية ، بكل تفاصيلها العجائبية . وبمناسبة قرب رحيل قادة « الأدارة الديمقراطية « نريد أن نشكرذاكرة التاريخ ، التي سجلت أنهم تركوا لنا الشرق الاوسط ساحة حرب مفتوحة ، وانهم قدموا لنا ما هو الأسوأ في ديمقراطية الغرب ، وتذكرنا بسطوة الأنكار الأميركي لحقوقنا ، وهي السطوة التي قادتنا الى الفجيعة ، فجرى الدم العربي نحو القطيعة التي رسمت خريطة الأنقسام والأنفصام في بلاد العربية .
ومع رحيل الادارة القديمة ، نخشى أن تقع الأدارة الجديدة في قبضة المؤسسات ذات المصالح ، التي تمنع عملية التغيير والتجدد في السياسة الخارجية الأميركية ، والتي اعتادت التلذذ بسماع استغاثة الدم العربي عبر القتل الجماعي ، ومشاهدة طوابير النساء والأطفال يهربون من القرى والمدن المشتعلة ، في ما يشبه السبي الطوعي .
هذه المؤسسات هي التي وقفت وراء الأدارة السياسية ،التي دعمت التنظيمات المسلحة المتطرفة المقاتلة ، والتي تستخدم الخطاب المقدس وتقاتل دفاعا عن مشروع سياسي احمق هدفه تحقيق رغباتها بالوصول الى السلطة واقامة دولة لا تنتمي الى العصر والحياة .
والى حد ما ، نجح المشروع الأميركي - الغربي في تدمير اكثر من قطر عربي وترك البلاد غارقة في الفوضى والديون ، ونهب ثروات العرب بزيادة الأنفاق على التسلح ، ومصادرة القرار السيادي العربي ، وابراز دور دول اقليمية وتمكينها ، ومنحها الفرصة للتدخل في الشان العربي الداخلي . ولكن ، رغم كل هذا المشهد السوداوي ، نرى ان موجات التدخل والتغلغل الغربي قد تكسرت في سوريا التي اصبحت الفاصل بين تاريخين ، والتي افشلت مشروع التقسيم وقيام الشرق الاوسط الجديد .
(الراي 2016-11-14)