النزاهة والمساءلة المجتمعية
تسعى الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد إلى تطوير استراتيجية وطنية طموحة للنزاهة تستكمل بموجبها الخطة التنفيذية للميثاق الوطني للنزاهة وتيسر عمل الهيئة الجديدة في تنفيذ مهامها واثبات جداراتها المؤسسية، وعلى الرغم من أن القانون الجديد قد تقدم خطوات اخرى في مسار بناء قاعدة تشريعية وطنية في النزاهة وفي تحويل الوثيقة الوطنية "ميثاق النزاهة الوطنية" إلى أساس تشريعي يعبر عن فلسفة الدولة الأردنية في مجال مكافحة الفساد إلا ان قضايا الفساد ستبقى مصدر القلق الاول في التعبيرات الشعبية والمجتمعية ومصدر تهديد أساسي للدولة والمجتمع.
ما يزال هناك عمل كبير يحتاج ان تقود هيئة النزاهة مؤسسات الدولة من خلاله لبناء حصانة فعلية ضد الفساد، وما تزال الهيئة بحاجة الى المزيد من الدعم وبناء القدرات الوطنية المتخصصة والخبيرة، فمسألة مكافحة الفساد وإرساء قواعد مؤسسية راسخة للنزاهة وتجذيرها في الثقافة المجتمعية تحتاج إلى عمل فني دقيق وخبرات متخصصة علينا الاعتراف بأن الكثير منها غير متوفرة لدينا، وفي الوقت الذي يعد التشريع والخبرات القانونية الأساس المتين لهذا المجال، إلا ان ارساء قواعد النزاهة يتجاوز الخبرات القانونية إلى مجالات فنية وسياسية أخرى متعددة.
اليوم أمامنا تحد كبير في تطوير مرفق المعلومات العامة في مؤسسات الدولة من أجل جعل هذه المعلومات متاحة أمام المواطنين؛ باعتبار ذلك أحد الحقوق التي كفلتها القوانين، وباعتبار الوصول إلى المعلومات أساسا لا يمكن الاستغناء عنه من أجل إرساء قواعد النزاهة، لا يمكن أن نتصور نظاما وطنيا للنزاهة بدون معلومات متاحة للجميع، ولا يمكن تصور شفافية حقيقية تعكس المصالح الوطنية بدون معلومات عامة يسهل الحصول عليها.
وحتى نطور قدرة مؤسسات الدولة في اتاحة المعلومات العامة نحتاج الى خطة وطنية لبناء نظم معلومات عامة حديثة ومصنفة ومؤتمتة وقابلة للتحديث الدوري. إن استمرار ضعف الشفافية في الإجراءات الحكومية، وضعف توفير المعلومات العامة بشكل أكبر عائق أمام المواطنين، ووسائل الإعلام، ما سيجعل المساءلة الشعبية دوما قائمة على الانطباعات وعلى الاتهام. لا يمكن بأي حال أن نتصور تطوير أنظمة للنزاهة بدون نظم وطنية للشفافية تتمتع بالكفاءة والجودة، وهذا يتطلب نظم معلومات وطنية في كل قطاع على حدة وإجراءات مؤسسية واضحة لضمان استدامة هذه النظم وتطويرها الدائم، وهو الأمر الذي أشار إليه القانون الجديد بخجل ونتطلع أن يثبت ويوضح في الأنظمة التي من المفترض أن تصدر بموجب هذا القانون.
الحكومات المغلقة والمؤسسات السرية هي مرتع حقيقي للفساد، ولدينا أمثلة ودروس عديدة من العالم. إن بناء نظام وطني كفؤ للنزاهة هو مصلحة وطنية لا تعلوها مصلحة أخرى، وإذا ما أخذت الاستراتيجية الجديدة تطوير نظم المعلومات العامة باعتبار ذلك أولوية أساسية، فإننا سنبقى عشر سنوات أخرى ندير معارك كلامية حول الفساد بينما لا يعرف أحد ماذا يجري تحت الطاولات.
(الغد 2016-11-14)