ما العمل الآن؟!
لم يحلّ المحللون لغز خطاب العرش القصير في افتتاح البرلمان الثامن عشر مع أن الرأي السائد الذي تم اعتماده يقول إن الخطاب أراد أن يترك للحكومة أن تقدم برنامجها وبيانها الانتخابي فلا تختبئ خلف خطاب العرش لاعتماده بيانا تأخذ الثقة على أساسه. وهذا التفسير ممكن ولعله المحبذ من الحكومة ومجلس النواب معا، إذ يعطيهما ثقة ودورا، هذا مع أن جلالة الملك أعرب عن تمنيه أن تدوم الحكومة طوال عمر المجلس الذي يفترض أن يدوم 4 سنوات.
لكن ليس عمر المجلس والحكومة هو القضية. فالوضع كله قيد التقييم والتدقيق. وهو بالطبع لا يريد العودة إلى نهج التغيير المتواتر للحكومات بل كما أوضح خطاب العرش أن يستمر بقاء الحكومة طوال عمر مجلس النواب (ما دامت تحظى بثقته)، وهو نهج تزامن مع فكرة الحكومة البرلمانية؛ أي أن الحكومة التي تحصل على ثقة المجلس لا ترحل إلا بسحب الثقة منها في المجلس. لكن فكرة الحكومة البرلمانية وهي ذروة سنام الإصلاح السياسي وفق التصور المفترض في مسار ما بعد الربيع العربي لم تثبت نجاحا وتم غضّ النظر عنها بقبول من مختلف النخب السياسية التي ترى أن المشروع يحتاج إلى برلمان يتشكل من كتل سياسية وبرامجية حزبية قادرة على تشكيل ائتلاف أغلبية حكومية.
انطباعي أن التصور العام للإصلاح السياسي كله كما ساد في الفترة الماضية دخل في الثلاجة. فذروة ذلك التصور تمثل بالانتقال الى قانون انتخاب جديد جذريا (التمثيل النسبي للقوائم)، والحاصل أن هذه الفكرة الرئيسية في الإصلاح السياسي فشلت في تحقيق التغيير ولم نتقدم بمجلس النواب وبنوعية النيابة سطرا واحدا بل إن الظواهر السلبية تفاقمت ومنها دور المال وشراء الأصوات، وهذا يكفي لنرخي أيدينا مستسلمين لحقيقة أن النماذج المسبقة لمسار الإصلاح السياسي لم تنفع معنا، والحال الآن أنه لا يبقى بين أيدينا سوى مشروع اللامركزية إلى جانب تطوير القضاء وسيادة القانون، وهي القضايا التي يوجد بشأنها مشروع واضح وتناولها خطاب العرش متخطيا قضايا الإصلاح السياسي الأخرى التي تحتاج إلى مراجعة وتفكير جديدين في ضوء حقائق الواقع بعد الانتخابات النيابية الأخيرة.
قانون الأحزاب وقانون الانتخاب والحكومة البرلمانية وكل ما أطلق عليه رزمة الإصلاح السياسي لم توصلنا إلى أي نتيجة ونحن وصلنا إلى هذه اللحظة بجيوب فارغة ولا يوجد لدينا إنجاز في هذا المجال نبني عليه ولا نقطة في منتصف الطريق وصلنا إليها لنواصل بعدها، وهذا مفهوم ضِمنا، لكنه لا يقال علنا في الخطاب الرسمي إنما في الخطاب العام يجب الاعتراف بهذه الحقيقة وطرح الأمر على مشرحة التقييم والتحليل ومواجهة السؤال الكبير..والآن ما العمل؟
أليس هذا الآن هو هاجس الحكومة ومسؤوليتها وهي ذاهبة إلى ثقة سهلة كما يقال. فهناك أولوية قصوى للأشهر المقبلة هي الاقتصاد وهو مقلق للغاية والتوقعات أن القادم لا يسرّ صديقا، ولدى الحكومة ملفات تنموية في قطاعات مختلفه تكفي وتزيد لتركيز كل الجهد عليها، بما في ذلك انتخابات البلديات واللامركزية. لكن تقييم النتائج بشأن الإصلاح السياسي والخروج بالاستخلاصات الصحيحة هي الآن مسؤولية النخب السياسية.
(الغد 2016-11-14)