«دروس كيسنجر» بعد.. «عقيدة أوباما» (1-2)
أعاد صحافي، صحيفة «أتلانتك» الاميركية، الشهير جيفري غولدبيرغ، هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي الأشهر...الى الأضواء، في مقابلة مُطوّلة نُشرت قبل أيام، وفي توقيت مقصود جاء غداة انتهاء الانتخابات الرئاسية الاميركية, بما حملته من مفاجآت وما أثارته من احتمالات ومخاوف بدا للحظة وكأن كيسنجر الذي انتقد «عقيدة» أوباما في شقها الخارجي وانحاز أيضاً في الحملة الانتخابية الى جانب هيلاري كلينتون (الديمقراطية) رغم انه جمهوري خدم في ادارتي نيكسون وجيرالد فورد، انه يُريد «منح فرصة» لدونالد ترامب بعد ان بات رئيساً مُنتخَباً للولايات المتحدة.
عودة كيسنجر (ابن الـ 93) الى الأضواء, تستدعي التأمل في اجوبته التي جاءت رداً على اسئلة «سِجالية» من غولدبيرغ، كانت سبقت ظهور نتائج استحقاق الثامن من تشرين الثاني الجاري وبخاصة عندما يقول عراب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل, والشهير بلقب «ثعلب اميركا العجوز» كما جاء في مقدمة المقابلة: ظننت ان هيلاري «ستفوز» رداً على سؤال غولدبيرغ: هل أنت متفاجئ؟ ليعقبه بسؤال: عما يعني فوز ترامب لـِ (دور) أميركا في العالم؟ عندها يجيب الثعلب العجوز: قد يسمح هذا بتأسيس توافق بين سياستنا الخارجية وحالنا الداخلية، فقد كانت هناك فجوة واضحة بين منظور العامة ومنظور النُخب، حول السياسة الاميركية الخارجية، أظن ان الرئيس الجديد، لديه فرصة للاصلاح بينهما، والأمر لديه باستغلالهما..مِن عدَمِه.
وإذ لا يتوقف غولدبيرغ عن «استفزاز» كيسنجر،كي يخرج باجابات مثيرة او غير عادية من شخص بتجربة كيسنجر, ودوره المعروف في المشهد الدولي في ذروة الحرب الباردة والصراع الذي لم يتوقف بين موسكو وواشنطن، فانه يستدرجه بسؤال آخر: هل تَحسّنَ شعورك نحو كفاءة ترامب او جديته؟ هنا يبدو حذر الوزير الاميركي الأسبق واضحا: علينا ان نكف عن هذا السؤال، فهو الرئيس المُنتخَب الآن، وعلينا ان نمنحه فرصة ليُطوّر «فلسفته»، عندها يتابع غولدبيرغ: هل ستُساعِده؟ يجيب كيسنجر: لن اتواصل معه، فهذه طريقتي لكل رئيس منذ غادرت الوزارة, ولكن ان طلب «رؤيتي».. فسأراه.
المقابلة المطولة «نسبياً» (مقارنة مع «مقابلة» اوباما الطويلة المحتوى والوقت) التي اجراها غولدبيرغ مع كيسنجر, كانت على فترتين, الاولى قبل الانتخابات بوقت ليس قصيراً, فيما جاءت اسئلتها الاستهلالِية المتعلقة بانتخاب ترامب, استدراكاً لحدث دارماتيكي له تداعياته واكلافه على المشهدين الاميركي الداخلي والدولي, ولأن «الصين» تحتل مكانة متقدمة ان لم نقل اولوية في الاستراتيجية التي شارك كيسنجر في وضعها وتنفيذها في عهد ريتشارد نيكسون تجاه الصين, منذ «المبادرة» الاميركية التي شكّلت غطاء أو مظلة لبدء حوار مع بيجين وحملت اسم دبلوماسية «البينغ بونغ», فإن غولدبيرغ يطرح سؤالاً مهماً يسعى لادخال «الصين» في الحوار عبره... ما هي اكبر مخاوفك حول الاستقرار العالمي بعد الانتخابات؟ يرد كسينجر: بأن دول العالم ستتفاعل مع هذه الحالة «بالصدمة», فإن حصل ذلك, فأود ان أُبقي الاحتمالية مفتوحة حول اجراء «حوارات» جديدة. اذا قال ترامب للشعب الاميركي «هذه فلسفتي للسياسة الخارجية», وكانت بعض سياساته غير متوافقة مع السياسات السابقة, لكنها مرتبطة بأهدافها الرئيسية, فتستمر هذه الاحتمالية.
هنا يُدخِل غولدبيرغ الصين على خط اسئلته: هل سترد الصين؟
يجيب كيسنجر: انا «متأكد» أن رد الصين سيكون استعدادها لدراسة خياراتها, وأظن ان هذا هو رد فعل روسيا كذلك.
يُمسِك غولدبيرغ «الخيط» ليحول السؤال نحو ما كان قد اثارته هيلاري كلينتون وأركان حملتها الانتخابية والمعسكر الذي وقف خلفها, باتهام ترامب بأنه «دمية» في يد بوتين ليسأله: هل تعتقد أن ترامب مؤيد لبوتين؟ فيقول: لا.. لكنني أظنه «وَقَعَ» في دعاية محددة, لأن بوتين قال «بعض» الكلمات «الجيدة» له, ضمنياً, وشعر أن عليه ان يرد.
يواصل غولدبيرغ ضغطه عليه حتى لا نقول إستثارته: هل تعتقد أن علاقاتهما «مطبوخة», مُسبَقاً بأي شكل؟ يكتفي كيسنجر بالإجابة: لا.
اذاً لا توجد احتمالية بأن روسيا ستستفيد من هذه الحالة؟في رده يطيل كيسنجر الاجابة: أظن أن بوتين سيرى كيف تتطور الحالة. روسيا والولايات المتحدة, يتفاعلان في ساحات لا يمكن السيطرة على كل عناصرها مثل اوكرانيا وسوريا. ومن المحتمل ان بعض المشاركين في هذه الصراعات, قد يشعر بِحُرية للتحرك. وبالتالي فإن بوتين سينتظر ليرى ما هي الخيارات..
(الراي 2016-11-16)