الينابيع الصافية
تطل في صحفنا هذه الايام مقالات مختلفة تتناول مناسبات زاخرة, منها هذا الاسبوع ذكرى ميلاد الحسين رحمه الله, ومنها هذا الموسم ذكرى الثورة العربية الكبرى, ومنها دراسات عن كوارث الربيع العربي (تقدير خسائره 600 مليار دولار).. والمحور الثابت لهذه المقالات المنعشة هو التنبه الصادق لمنجزات الحسين طيلة ما يقارب النصف قرن, وما حققته ثورة العرب وابطالها ومنهم بطبيعة الحال مؤسس هذا الكيان, والصمود الذي صمده نظامنا السياسي وشعبه في وجه عاصفة سموها الربيع وهي عاصفة مدارية مدمرة.
هناك كتّاب شباب يعيدون الى الفكر السياسي الاردني «فعل الايمان», بالكيان, والنظام, والشعب. لا نفاقاً لمسؤول, ولا تربحاً بالكلمة المطبوعة.. وانما باليقين الصافي بأن مردود التجربة الاردنية الثرّه هو التمسك بالثوابت, والفهم بأن الديكتاتوريين ضحكوا على الامة, واورثوها المآسي والهزائم, وأن الجيل الذي ما يزال يحن الى زمنهم, انما يرفض وطنه الاردن.
العودة الى الينابيع الصافية, ظاهرة نشدّ عليها–كما يقولون–بالنواجذ, لانها فرصتنا في عالم متغيّر الى الاسوأ. واذا كان السائرون على حبال الاربعينات من القرن الماضي اقنعوا ابناء الشام, بأن مشروع سوريا الكبرى, أو الهلال الخصيب انما هو مشروع استعماري وانه لا يتجاوز مطامح عبدالله بن الحسين السياسية, فإننا هنا في الاردن بقينا سوريين: انت سوريا بلادي كانت نشيدنا ونحن في الصف الرابع الابتدائي. وحين حاول عبدالحليم خدام في جلسة مصارحة ان يسمينا بالسوريين الجنوبيين, قلنا له نقبل التسمية على ان تكونوا انتم سوريون شماليون.. وكانت المناسبة اعترافه بشخصية وصفي التل القومية, وبأنهم ورثوا الحكم عليه دون تيقن وانه قبل مصرعه بأربع وعشرين ساعة, كان يتفق معه في مخططه الذي عرضه في مجلس الدفاع العربي.
الذين يعودون من كتّابنا ومفكّرينا الى الينابيع الصافية للاردن الوطن والنظام والكرامة, انما هم القوة المحرّكة لمسيرة مجتمعنا المظفّرة. فالاردن لا يحمل ذاته, وانما يحمل الهمّ السوري والعراقي, ويحمل همّ النهوض العربي الجديد. فنحن, دون من, قوة استقرار للخليج العربي. ونحن عمق استراتيجي لمصر وليبيا. وهذا ليس ادّعاء فارغاً, وانما هو مجموعة حقائق استراتيجية, واقتصادية وسياسية وعسكرية. ونحن رديف النضال الفلسطيني في اسوأ مراحله, وأخطر منحنياته.
.. لنكن: كتّابنا, ومفكرونا, وناشطونا, الارادة الصلبة ووقفة الحياة والمصير في بلدنا. لنكن حداة الركب في المسيرة المظفرة: فعبدالله الثاني معنا.
(الراي 2016-11-16)