ماذا بعد انتخاب ترامب؟
كل توقعات استطلاعات الرأي العام والمحللين، بما في ذلك كاتب هذا المقال، خابت فيما يتعلق بفرص دونالد ترامب أن يصبح رئيسا. في النهاية، فإن ثورة الطبقة الوسطى من البيض الذين يعيشون في الريف خاصة ضد مؤسسة الحكم كانت أقوى من قدرة هيلاري كلينتون على المحافظة على القاعدة الاجتماعية العريضة للحزب الديمقراطي، وذلك لأن شخصيتها لا تبعث على الثقة.
فجاء التصويت لترامب مزيجا من الرغبة في التغيير وعدم الثقة في صدقية كلينتون، فحصلت في النهاية على ستة ملايين صوت أقل مما حصل عليه أوباما مع أن ترامب حصل على أصوات أقل من كل من المرشحين الجمهوريين قبله رومني وماكين، ومع أن كلينتون حصلت على أصوات أكثر من ترامب على المستوى الوطني.
ماذا نتوقع من ترامب؟ حقيقة الأمر أنْ ليس لدينا للقياس سوى مواقفه أثناء الحملة الانتخابية باعتبار أنه لم يشغل موقعا حكوميا في السابق وبالتالي ليس له سجل واضح. المواقف الانتخابية لا يعّول عليها دائما، ولم يلتزم بجميعها كل المرشحين السابقين تقريبا. كما لا نعرف أيضا من هو فريقه، خاصة أن العديدين من ذوي الخبرة الذين شغلوا مناصب في الإدارات الجمهورية سابقا أعلنوا في رسالة علنية رفضهم العمل مع ترامب.
ولكن بشكل عام، فقد خاض ترامب الانتخابات على خلفية تعارض اتفاقيات التجارة الحرة وتطالب بسياسة أميركية انكفائية حتى مع حلفائها التقليديين في حلف ناتو. مواقفه من المهاجرين، خاصة المسلمين ومن أصول لاتينية، مواقف عنصرية وهو الذي طالب في وقت ما من الحملة بوقف دخول أي مسلم للبلاد ليتراجع بعد ذلك ويطالب بإجراءات أمنية مشددة قبل السماح لهم بالدخول.
موقفه من إيران متشدد، وهو يريد إلغاء الاتفاقية النووية مع إيران، وقد يفعل ذلك في ظل كونغرس جمهوري، هو ما سيسعد دول الخليج تحديدا، إضافة إلى موقفه من عدم إعطاء موضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان أي أولوية. مصر رحبت بشدة بفوز ترامب كونها تعتبر أن اوباما وهيلاري وقفا مع الإخوان المسلمين بعد ثورة 2011 . الأردن سيكون مرتاحا أيضا لتركيز ترامب على موضوع مكافحة داعش وعدم التركيزعلى مواضيع الإصلاح السياسي.
ترامب يريد التنسيق مع روسيا فيما يتعلق بسورية ولا يحبذ رحيل الرئيس الأسد وهو ما سيجعل الرئيس السوري مرتاحا بعد أن توعدت كلينتون بتصعيد دعمها للمعارضة السورية. وعده بنقل السفارة الإسرائيلية للقدس أثلج صدر اليمين الاسرائيلي مع أن مثل هذه الوعود قدمت مرارا من المرشحين السابقين دون تنفيذها.
لا تزال الأسماء ترشح عن فريقه الخارجي، ومعظمهم متشدد من الناحية العقائدية مثل نوت جنغرتش او بوب كوركر وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ او ريتشارد هاس أو جون بولتون. أما أحد مستشاريه للشرق الأوسط وليد فارس، وهو من أصل لبناني ومتخصص في شؤون الاٍرهاب، فآراؤه بالنسبة للمنطقة محافظة إلى أبعد الحدود.
العديد من المواطنين العرب بدأوا يهللون لترامب على أساس أنه سيتبع سياسات أكثر اتزانا للمنطقة!
يذكرني ذلك بالتهليل الذي حصل عليه جورج بوش من العديد من العرب أيضا معتقدين أنه سيكون أفضل من آل غور للمنطقة، فإذا به يشن حربا على العراق ويساهم في إطلاق قوى التطرّف ويلحق بالمنطقة ضررا بالغا نعاني من آثاره حتى اليوم.
على أية حال، أعتقد أن الوقت ما يزال مبكرا للحكم على أثر ترامب على المنطقة والعالم. شخصيا، فإنني أخشى أن قلة خبرته وعنصريته نحو المسلمين وانحداره الأخلاقي وضعف التزامه بالحريات وحقوق الإنسان لا تبشر بالخير. وحتى يشكل فريقه وتتضح معالم إدارته، من الصعب إطلاق الأحكام العامة. فلننتظر قليلا.
(الغد 2016-11-16)