أوروبا قلقة
أصيبت أوروبا في التاسع من هذا الشهر بالذهول بفوز دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة كردة فعل أولى. لم يكن فوز ترامب متوقعاً لأنه في حملته الانتخابية قال وفعل كل الأشياء الكفيلة بفشل أي مرشح للرئاسة الأميركية.
لم يساور القادة والمفكرين الأوروبيين الشك في أن كلينتون كانت قاب قوسين أو أدنى من الفوز وأن الغالبية كانت تنتظر نتائج صناديق الاقتراع بهذه الروحية.
ولكن مع فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية انكبت الدوائر الفاعلة على محاولة معرفة الأسباب والآثار المحتملة المترتبة على ذلك. تربط أميركا بأوروبا وشائج نفسية وسياسية مشتركة كدولة ليبرالية وديمقراطية تشكل امتداداً لجوهر السياسة والقيم الأوروبية. ترامب اليميني أو القومي الأميركي" غير المنضبط" كما بدا بحملته الانتخابية شكل تحدياً للسياسة الأوروبية الخارجية وخاصة حيال الشرق الأوسط وكذلك للوضع الداخلي في أوروبا نفسها.
التحدي الأول لأوروبا هو تأثير فوز ترامب على المشهد السياسي الداخلي، حيث إنه يشكل دعماً كبيراً لليمين الأوروبي الذي بدأ يتصاعد الدعم له نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة اللاجئين والهجرة. جاءت مواقف ترامب حول هذه القضايا مطابقة لمواقف الأحزاب اليمينية في بعض الدول الأوروبية وبالتالي أصبحت هذه الطروحات التي تستنهض الهويات القومية والمواقف العنصرية من المهاجرين "سياسات مشروعة" من وجهة نظر أحزاب اليمين في أوروبا، ولم تعد آراؤهم متطرفة بنظرهم لأنه بات يحملها رئيس الولايات المتحدة قائدة العالم الغربي إذا جاز التعبير.
إذا صعدت الأحزاب اليمينية في بعض الدول المهمة في أوروبا كفرنسا، فهناك تخوف من الانكفاء الوطني أو القومي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والذي سيهدد الفكرة الأساسية للاتحاد الأوروبي إذا ما تكررت حالة بريطانيا مع بعض الدول الأخرى في الاتحاد.
إن صعود اليمين في أوروبا ليس مرتبطاً فقط بصعود ترامب للسلطة وإنما أيضاً لعوامل داخلية بالاتحاد شبيهة بتلك التي أدت لفوز ترامب أساساً. من أهم هذه العوامل تدفق أعداد اللاجئين الشرعيين وغير الشرعيين على أوروبا وتعرض بعض المدن الأوروبية لعمليات إرهابية وخاصة في فرنسا وبلجيكا. العديد من الأحزاب اليمينية ترى بذلك تهديداً للهوية القومية بتلك الدول وتهديداً للقيم الأوروبية بحسب بعض الاحزاب.
هناك أبعاد أخرى لفوز ترامب تقلق أوروبا وخاصة في توجهاته نحو روسيا التي تعتبرها كثير من الدول الأوروبية مصدر تهديد للاتحاد الأوروبي، ومواقفه من الاتفاق النووي مع إيران وإعلانه عن نيته إلغاءه وموقفه من الصراع في سورية بعدم اعتباره رحيل بشار الأسد خطوة ضرورية لحل الأزمة السورية لا بل إمكانية تحالفه مع إيران وروسيا في محاربة الإرهاب. المواقف المعلنة لترامب وخاصة أثناء حملته الانتخابية جاءت بشكل معاكس للأسس التي بنت عليها أوروبا علاقتها مع الولايات المتحدة، وفي حال تخلي الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب عن هذه الأسس فهذا يشكل ضربة مزدوجة لسياسة الاتحاد حيال العديد من القضايا الدولية او المحلية. في حال مضي ترامب بسياساته المعلنة لحد الآن فسوف تخسر أوروبا شريكها التقليدي بالتعامل مع هذه القضايا وتزيد من عجزها في الدفاع عن سياساتها والمبادئ التي قام عليها الاتحاد.
(الغد 2016-11-17)