الاستيعاب وطاقته
التطرف الاسرائيلي ليس بلا عقل. ومشروع القانون المقر بصيغته الاولى لا يمنع الاذان, ولكنه يمنع مكبرات الصوت. وهناك كلام تسرّبه الصحافة الاسرائيلية, يقول أنه من الممكن ابقاء القانون بقراءته الاولى.. أي دون اقراره بصيغته النهائية.
آفي شليم, اليهودي غير الصهيوني العامل في جامعات بريطانيا يقول: انه بين انهاء عمل الجيش العراقي في شمالي الضفة بعد الهدنة, وبين انتشار الجيش العربي كانت هناك ضغوط على بن غوريون باجتياح كل الضفة الغربية, وذلك كان ممكناً لأن جيشنا لم يكن قادراً على الانتشار في الضفة فهذا الانتشار سيضعف قدراته في ضوء نكوص بريطانيا عن التزامها بالمعاهدة.. وتوقفها عن التزويد بالذخيرة وتعويض السلاح بعد الحرب, وفي ضوء محدودية عدده في توزعه على 650 كيلومتراً من خطوط الهدنة, والاحتفاظ بدرّة انجازاته بالحفاظ على القدس القديمة ورام الله ومفتاح الاغوار.. اريحا.
وقتها قال بن غوريون - حسب الرواية - نعم نستطيع عسكرياً, ولكن قدرة اسرائيل على استيعاب كل الضفة, بالاضافة الى 750 الفاً عدد سكانها هما امر غير عملي.
كان بن غوريون يستمهل الهدف النهائي بالاستيلاء على كل «ارض اسرائيل». فبين مؤتمر بال الذي طرح فيه تيودور هيرتسل مشروع «الدولة اليهودية» وبين قيام دولة اسرائيل نصف قرن فقط, وكان هناك بعد التأسيس مراحل محددة بعشر سنوات: مرحلة التحشيد للعدوان الثلاثي عام 1956, مرحلة حزيران عام 1967, مرحلة الاستيعاب العسكري «لحدود» اسرائيل من قناة السويس الى مرتفعات الجولان الى نهر الاردن. وتغيير مراحل العشر سنوات بعد أن اختلطت قوى الاستيعاب بين كامب ديفيد وعزل مصر, الى اقتسام الجولان لقاء هدوء مطلق بعد 1973 الى الان, واستفراد الفلسطينيين في اتفاقية اوسلو, وعزل الفلسطينيين عن الاردن. كل ذلك كانت احداث يحكمها شيء اسمه الاستيعاب.. القدرة على ابتلاع الارض وهضم السكان. ولعل الخروج من غزة وانهاء الاحتلال العسكري لها, وسحب المستوطنين منها كان من الضروري وضعها في شكلها الحالي: امارة اسلامية معزولة.. توقفت فيها الحياة بوقف تواصلها مع الضفة ومصر.
التطرف الاسرائيلي, وفي اسرائيل لا يوجد اعتدال.. التطرف ليس بلا عقل.. انه يعرف قدرته على الاستيعاب ويعرف خطورة الصدام مع الملايين من الفلسطينيين الذين يعيشون داخل احشاء الدولة.. من فلسطينيي 1948, وفلسطينيي 1967. فرفع الاذان على مساجد فلسطين يشبه تحدي الهنود لضريبة الملح التي فتح فيها غاندي معركة لا تستطيع حكومة الراجا منع 400 مليون هندي من الانتشار في شواطئ شبه القارة الهندية, وانتاج الملح منها دون اذن الحكومة.. معركة كانت تبدو صغيرة وغير مهمة حسب ما قرأناه في مذكرات جواهر لال نهرو وكان وقتها في السجن. وحين خرج وشاهد مئات ملايين الهنود يزحفون الى الشواطئ ادرك عظمة القرار الوطني. فلا شرطة ولا جيشاً بريطانياً يمكن أن يمنع الملايين من المسيرات الى الشواطئ.
ترى هل تستطيع شرطة اسرائيل منع الاذان عن الجوامع.. حتى اذا كان الموضوع منع مكبرات الصوت؟؟
(الراي 2016-11-20)