التسوية التاريخية العراقية
بداية الأسبوع الحالي، أكد النائب عن كتلة "المواطن" النيابية سليم شوقي، أن وثيقة التسوية التاريخية في العراق "تُبنى على شروط وأسس، منها عدم إشراك من تلطخت أيديهم بدماء العراقيين، من ضمنهم رافع العيساوي وحارث الضاري وطارق الهاشمي، وتحت مبدأ لا غالب ولا مغلوب"، وأنه "عليهم المثول أمام القضاء. وفي حال تمت تبرئتهم سيكونون ضمن التسوية، أما حالياً فهم متهمون بقضايا إرهابية". وأنه "سيتم إدراج المطالب ضمن أوراق لكل من المكونات الشيعية والسنية، وكذلك الحال لباقي المكونات"، وأنه "سيتم بعدها جمعها ومنهجتها ليتم إقرارها بعد التفاوض عليها بحضور الأمم المتحدة والتحالف الدولي، فضلاً عن ممثل الجامعة العربية".
وسبق لمستشار لجنة متابعة وتنفيذ المصالحة الوطنية حسين العادلي، أن أكد أن "خطة المصالحة الوطنية تتكون من ست مراحل، وحالياً هي في المرحلة الرابعة لحسم تمثيل الأطراف المتفاوضة"، وأن "هناك خطة تسوية جاريا العمل فيها، والتي ستتوج بإعلان وثيقة بغداد بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة في العراق (اليونامي)"، وأنه "تم رفع هذه الخطة إلى مراكز القرار على مستوى الدولة والمؤسسات الرسمية وقادة الكتل والأحزاب المهمة في البلاد"، وأن "المصالحة تتحرك وفق الدستور وفيها العديد من الأسس والمبادئ لإقرار التسوية النهائية لحل التضاد بين الأطراف العراقية".
الحديث عن المصالحة هو حديث عن الحياة، وعن السعي إلى الحفاظ على القيم والمبادئ. ونحن جميعاً مع هذه المعاني النبيلة. وعليه، لا يمكن لعاقل أن يقف ضد المصالحة الوطنية، أو التسوية التاريخية، لكن ينبغي الانتباه إلى الآتي:
- بداية، من الذي خول الأطراف الداعية للمبادرة أن توزع الاتهامات على هذا الطرف أو ذاك، وغالبية هذه الأطراف الداعية متهمة من الأطراف المعارضة. وبالتالي، الأمر بحاجة لطرف ثالث محايد لإنصاف الأطراف المتهمة كافة، وإلا فإن لكل طرف من الأدلة ما يكفي لاتهام الآخر بالإرهاب والقتل والتخريب.
- القضية لا يمكن أن تتم في أروقة العملية السياسية، لأن الأمر ليس بهذه السهولة التي يتصورها بعض الساسة، كونهم ليسوا ملائكة، ولم يصلوا بعد لدرجة القبول التام حتى من قبل أتباعهم قبل أن يُقبلوا من الطرف المعارض لهم.
- من الأهمية بمكان إثارة التوقيت الحالي للمبادرة، وهل الأرضية ملائمة وخصبة للمصالحة في ظل غياب شبه تام للدولة، وهي في الوقت ذاته تُنادي بمصالحة بينما المليشيات تتغول في كل ساعة في عموم الملفات السياسية والأمنية؟
- إن تحديد بعض الأسماء -ومنهم من انتقل لرحمة الله، وهو الشيخ حارث الضاري رحمه الله- واتهام أصحابها بالإرهاب لا يمكن أن يُثمر عن مصالحة، لأن المصالحة لا يمكن أن تتم تحت مظلة العملية السياسية، وينبغي أن تتم تحت مظلة عربية أو إسلامية أو دولية. وبهذا، لا يمكن للحكومة -وهي الخصم بالنسبة للقوى المعارضة لها- أن تكون الحكم، لأن هذا يتعارض مع أبسط مبادئ القانون والقضاء العادل، وإلا فإن هذه الدعوات مجرد تسويف ومماطلة، بل وخداع لأن المنطق علمنا أن المصالحة مع الأرضية الحالية هي تماماً كحلم الشيطان بالجنة.
المصالحة هي خطوة في الاتجاه الصحيح. وعليه، ينبغي أن يُحرم منها كل من تورط في دم العراقيين؛ سواء من الذين هم داخل العملية السياسية أم خارجها، وكذلك يُستثنى منها زُعماء القتل والإرهاب وسراق المال العام. أما أن يُبرئ منْ هم داخل العملية السياسية أنفسهم فهذا تزييف وتزوير للواقع، لأن بعضهم متهم بدعم المليشيات، وبعضهم الآخر متهم بجرائم قتل وابتزاز، وغيرها. وعليه، أظن أن القضية ليست بالسهولة التي يتصورها من يملكون زمام الحكم في العراق اليوم. ولهذا، عليهم أن لا يجلسوا على التل، وأن تكون طروحاتهم منطقية وواقعية.
المصالحة خطوة ضرورية ينبغي أن تُبنى على أرضية صلبة وليست هشة. فهل هذه الأرضية الصلبة حاضرة وجاهزة على أرض العراق التي تتقاذفها الحروب والمليشيات والجماعات الإرهابية؟
(الغد 2016-11-22)