ما بني على باطل
فهو باطل! هذا التأصيل أو هذه القاعدة والحكمة بدأت تفقد من مصداقيتها في السنوات الأخيرة، بين جمهور الراصدين المترصدين للأمثال والحكم الشعبية، ليفندوها ويكذبوها بما يتماشى مع لغة العصر المتحجر الذي نعيشه، القائم على فكرة الأنا المتأصلة في المفردات الكلامية، والفعلية أيضا.
تفقد قاعدة البناء على الباطل تأثيرها، حين تتألق الأخطاء والذنوب على شكل صور نجاحات في العمل، وفي الشراكة الإنسانية، وهي التي أنشئت قواعدها على أسس باطلة لا خلاف على بطلانيتها، وأمام الناس في كثير من الأوقات، هذا إذا أخذ اعتبار الناس على مأخذ الجد من قبل هؤلاء، الذين لا يكترثون بالماضي الغائب طالما الحاضر، حاضر بنجومه اللامعة وسمائه الواسعة.
تقول لي صديقتي: كيف نقول إن المال الحرام لا يدوم، وها نحن نراه يدوم ويتمدد ويتجبر بنا، نحن الصغار المفرومين في عجلة أعمال هذا الرجل الذي لا يخاف الله، ولا المجتمع ولا حتى يوما يأتيه تصفعه به الدنيا على وجهه، من باب العدالة على الأقل؟
وحين أحاول أن أرد، تقاطعني كمن يعرف الجواب التقليدي مسبقا، أنه حتى لو جاء هذا اليوم، ستكون وجوه وعيون وأيد بالمئات قد غابت عن المشهد، في الحياة أو الموت، وربما تغيب وهي تحمل الظلم الواقع عليها بدون أن تستد لها الحياة، ولو بكلمة رطبة!
يتكرر مشهد الباطل حين نشاهد بأم أعيننا مسؤولا اقترب أن يكون فضائيا، من عظمة سيرته الذاتية العلمية والعملية، ونحن نعرف أو آباؤنا على الأقل أنه لم يجتز المرحلة الثانوية بنجاح، لكن يدا طيبة آنذاك “لفلفت” له قبولا جامعيا في دول تعتبر للخلفيات الإيدولوجية أكثر من العلمية الطبيعية، استفاد منها صديقنا المحظوظ ليلمع ويسطع، يفعل بعد ذلك أي شيء وكل شيء، ليكمل مشواره الباطل على باطل، ويبني لنفسه اسما لا يبطل أبدا، حتى أمام رفاق دربه الأوائل، الذين يمكن أن تصل بهم الكذبة إلى اختراع قصص من الهواء، تؤكد على نبوغه الطفولي، ويقولونها له وهم ينظرون في عيون بعضهم بعضا مباشرة!
كثيرة هي الفرص، كثيرة هي القصص التي تقف بالمرصاد لمثل تلك الحكم العتيقة، تمد لسانها لتغيظ به أصحاب المثل العليا والمبادئ، ممن لا يفرقون بين تفسيري البطلان، إن كان باطلا بمعنى آثم، أو باطلا بمعنى فانٍ. لا فرق بالنسبة لهم ما دام الأساس غير سليم. يغيظهم فعلا تمادي الظلم المتأصل بعيدا وعميقا، وتعدي أذرعه الطويلة على منشآت الأخلاق والعقول. تغيظهم وتذكرهم بأن الباطل الذي يتحدثون عنه بجلساتهم السرية الخائفة، يمكن أن يحمل أسماء متعددة أخف وطئا وألطف وقعا، تعبر بأصحابها بر الأمان متغللة في وجدان الناس، بما أن لا أحد فوق رأسه خيمة، والكل في الذنب سواء، وأن الفرق ما بين مذنب ومذنب هو مسألة حظ، أو بالأحرى ضربة حظ لو أتيحت لأحد الغاضبين على الباطل، ما أضاعها أبدا!
كثيرون منا، لم يصادفوا أصحاب حظوظ نفدوا أو لم ينفدوا من شطر القاعدة الثاني، فبطل أو لم يبطل بنيانهم، لأنهم ببساطة لا يعرفون الفرق بين باطلهم القديم وباطلهم المتجدد، إنما وككثير من الناس العاديين، الذين لا ينفكون يرددون أن الحرام يظهر عليهم سريعا، مؤمنون أنهم معنيون بالحكمة تلك، وأن الباطل الذي لو جربوا أن يبنوا عليه، إما سينقلب باطلا عليهم وعلى رؤوسهم عاجلا، وإما سيبطل مفعوله آجلا. سيفعلون ذلك وهم يلومون حظوظهم كثيرا، فاسحين الملعب لمن يجيد اللعب دائما.
(الغد 2016-11-22)