بمناسبة بيان الثقة.. الجميع أو الأقلية
يمكن ملاحظة مجموعة من المؤشرات الواضحة والبسيطة لقياس وتقييم السياسات الحكومية، ومدى جديتها وملاءمتها للاحتياجات والأولويات الإصلاحية والتنموية: من يستفيد من البرامج والمشروعات ومجالات الإنفاق؟ فإذا كانت الموارد تعود بالفائدة على جميع المواطنين بلا استثناء، وبعدالة وكفاءة، فإن السياسات الحكومية تتجه نحو الإصلاح والتقدم. ويكون الفشل بقدر استثناء المواطنين والفئات الاجتماعية والاقتصادية، والمدن والمحافظات، من العوائد والإنفاق. على سبيل المثال، فإن شارع المطار، في توسعته وما أنفق عليه، وفي الجسور والأنفاق التي بنيت ومن استهدف من هذه المشروعات، تؤشر بوضوح إلى من يستفيد من هذه المشروعات العملاقة والأنفاق والجسور. في المقابل، فإن التدمير والإهمال اللذين يواجههما الشارع الرئيس في الأردن والممتد من الرمثا إلى العقبة من خلال الصحراء أو وادي الأردن، يؤشر أيضا بوضوح وبساطة إلى حجم الاستثناء ومقدار التهميش والظلم الذي يقع على المواطنين والمجتمعات. تسعة أعشار المواطنين والمصالح والأعمال تستهدف بالتهميش والإقصاء، وعُشرهم يستهدف بالإغداق والاهتمام!
عندما تكون أقلية من الناس هي المستفيدة من الفرص والإنفاق العام والاستثمارات والأسواق القائمة، تتشكل قاعدة "الأقلية المستفيدة"، والمؤسِسة لمتوالية من الفشل والشرور، سيكون أقلها الصراعات والانقسامات الاقتصادية والاجتماعية. فهذه الاحتكارية والأثرة تنشئان منظومة سياسية واقتصادية وتشريعية وثقافية تكرس الفشل، باعتباره المورد الحقيقي والجوهري والغاية التي تدور حولها السياسات. ويتحول الفشل إلى مصلحة أساسية يُدافع عنها. وسيبدو الفشل واضحاً ومقصوداً في المؤسسات التعليمية والمناهج والكتب المدرسية والمؤسسات العامة والثقافة والفنون والسلع والأسواق، وتمضي المجتمعات، بوعي أو متظاهرة بعدم الوعي، إلى انقسام اجتماعي عميق، لكل قسم مؤسساته ومرافقه وأسواقه ومدارسه، وثقافته أيضاً؛ ثقافة الفشل وثقافة الاحتكار.
في المقابل، فإن التقدم ليس سوى قاعدة "الجميع"، أي أن تكون الموارد والفرص موجهة الى جميع الناس. ويمكن أن تعمل المؤسسات التعليمية والصحية والاجتماعية بكفاءة واقتدار، وضمن الموارد المتاحة. هذا ما تقوله أيضاً الأمم المتحدة من خلال مبادراتها وبرامجها وتقاريرها للتنمية. فالدول جميعها قادرة، مهما كان مستواها الاقتصادي، على الالتزام بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لجميع مواطنيها والمقيمين فيها: الضمان الاجتماعي، والخدمات الصحية والتعليمية الأساسية، وتأمين الدخل للأطفال والعاجزين عن كسب ما يكفي من الدخل في سوق العمل والمعاقين، وتوفير معاشات تقاعدية لكبار السن. ويمكن بعد ذلك لمعظم الدول أن تتوسع في مظلة التأمينات الاجتماعية والخدماتية، وتحسين مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. ووفق منظمة العمل الدولية، فإن توسيع مظلة التقاعد لتشمل جميع المسنين، وتأمين مستحقات الأطفال في سن الدراسة، يمكن أن يساهما في تخفيض الفقر بنسبة تتراوح بين 30 إلى 45 %. ذلك أنه، وببساطة، تمثل هاتان الفئتان أكبر نسبة من الاحتياجات والنقص في الخدمات والرعاية. كما تمثلان عبئاً كبيراً على الأسر يمكن بتخفيفه، مساعدتها على تحسين حياتها، وإعادة توجيه الإنفاق نحو متطلبات أخرى. كما أنها برامج تساهم بفاعلية في تخفيض عدم المساواة، وتتيح لجميع الفئات تحسين حياتها والاستفادة من ثمار التنمية.
(الغد 2016-11-24)