العملية نجحت ولكن..!
هناك نكتة سوداء من عالم الطب يتداولها الناس في لحظات يصل التناقض فيها ذروته، يتعايش فيها الزيت والماء، والماء هو الذي يطفو فيها على السطح، والعيون تعلو على الحواجب إذا تورمت من القذى أو مشى الناس على رؤوسهم .
تقول النكتة إن العملية الجراحية نجحت بنسبة مئة بالمئة لكن المريض مات، وفي عالم السياسة والاقتصاد هناك برامج ومخططات ناجحة تماما على المستوى النظري لكن ما ان تجرب في دولة ما حتى ينتهي الامر الى مأساة وتصبح الدولة فاشلة، ولدينا في العالم العربي فقهاء في استنساخ التجارب خاصة الآسيوي منها ويظنون ان هناك وصفة نموذجية صالحة لكل القارات والشعوب لهذا يقدمون جرعات ثقيلة من السكر لمرضى السكر وجرعات اثقل من الملح لمرضى الضغط !
واذكر انني سمعت من الراحل د . هشام شرابي رأيا يستحق ان استعيده في هذا السياق، قال ان العرب الذين يعجبون بالمناهج التفكيكية يغيب عنهم انهم في مجمل المكونات يعانون من الرخاوة وعدم التماسك والبُنى كلها نيئة، ولم اجد ما اعلق به غير مقطع من اغنية لمحمد عبد الوهاب يقول هُوّ افتكرني عشان ينساني !!
ان كل المحاولات التي اخضعت الواقع لنظريات معلّبة انتهت الى فشل، خاصة في المجال الاقتصادي حيث انتهت تجارب القطاع العام وما سمي التيسير الذاتي الى دراما اغرقت البلاد والعباد ثم عرضت في مزاد الخصخصة !
حتى في المجال الثقافي هناك من العرب ابرياء وحسنو النوايا صدقوا ما قرأوا من ترجمات سواء عن مكانة الثقافة والمثقفين في اوروبا بالتحديد او عن دورهم في التغيير !
لكنهم ما ان صحوا من الحلم او الغيبوبة حتى اكتشفوا الحقيقة، وهي ان المثقف الذي تورط بما صدقه من تعريفات الثقافة ودورها وفاعليتها عاد الى بيته حافيا بعد ان باع الخفّين ولم يعد بهما كحُنين !
انها عمليات جراحية بالغة الدقة وتستعرض فيها مهارات وبلاغات وألقاب لا آخر لها، وهي بالفعل تنجح، لكن المرضى يموتون، وعليهم ان يتحملوا مسؤولية موتهم !!
(الدستور 2016-11-24)