بانتظار ترامب
حالة من الانتظار والترقب تسود “دول الأزمات” في المنطقة العربية، بل وتسود الإقليم برمته، لمعرفة ما الذي سيأتي به الساكن الجديد للبيت الأمريكي، حيث تسود حالة من التخمين والتكهن، المبنية على النزر اليسير من المعطيات والمعلومات المتعلقة بخلفية الرجل الذي قفز من “المجهول” إلى رئاسة أقوى دولة في العالم.
حالة الانتظار هذه، ليست ساكنة على الإطلاق، هي كذلك بالنسبة لبعض الدول والعواصم، بيد أنها تستبطن سبقاً مع الزمن بالنسبة لأطراف كثر، سيما في الدولة المنكوبة بحروبها الداخلية وحروب الآخرين عليها … حيث يسعى مختلف اللاعبين في استثمار لحظة انتقال السلطة في واشنطن، حتى آخر قطرة، إما خوفاً من ترامب وإدارته، أو رهاناً على ما يمكن أن يتكشف عنه من مواقف وتوجهات جديدة.
في اليمن، ثمة من يعتقد أن تصعيد خطوط التماس وارتفاع حدة القتال والمعارك على مختلف الجبهات، إنما يعبر عن سعي الأطراف لاستباق إدارة ترامب … التحالف العربي ومعه حلفاؤه اليمنيون، يظنون أن ترامب لن يكون “ناعماً” مع إيران كما حال سلفه، ولذلك تراهم يستأخرون الحل السياسي ويماطلون في الاستجابة لمبادرة جون كيري الأخيرة، ومن قبلها مبادرة الموفد الأممي إسماعيل ولد الشيخ.
في المقابل، يظن الحوثيون وصالح، أو هكذا يفترض البعض، أن الوقت المتبقي على الاستلام والتسلم في واشنطن، هو الفرصة الأفضل لفرض حقائق جديدة على الأرض، لن تستطيع إدارة ترامب تجاهلها، إن هي فكرت في استئناف مساعي حل القضية اليمنية سياسياً … وعليه، تخلص هذه الفرضيات، إلى استنتاج متشائم، يتعلق دائماً باستطالة أمد الحرب.
في سوريا، يبدو الوضع أشد تعقيداً، الإشارات التي أطلقها ترامب للتصالح مع موسكو، وحديثه المتكررة عن أولوية الحرب على داعش دون سواها (الأسد)، أعادت الاعتبار لخيار “الحسم العسكري” لدى دمشق وحلفائها الإقليميين والدوليين … القرار بتصفية الفصائل المسلحة شرق حلب ربما يندرج في هذا السياق، وتوسيع موسكو نطاق الحرب على “النصرة” في إدلب وريف حمص، هو أيضاً نتيجة مباشرة لهذه القراءة … في المقابل، تبدو المعارضة وداعموها في حيرة من أمرهم، بل ويبدو أن رهاناتهم تتساقط تباعاً، كلما أدلى الرئيس المنتخب بتصريح جديد.
موسكو ودمشق وحلفائهما، يستعجلون الأحداث، ويسابقون الزمن، قبل أن يتمكن “السيستم” من ابتلاع ترامب الرئيس، وقبل أن يفلح حلفاء واشنطن، خصوصاً في لندن وباريس في فرض تأثيراتهم وقراءاتهم الجديدة، على الرئيس الجديد وإدارته المقبلة … والأرجح أن سوريا ستكون على موعد، مع أشهر عجاف أخرى، ستراق خلالها دماءٌ كثيرة.
الفلسطينيون بدورهم، يختبرون الآن مرحلة الانتظار والترقب … ترامب المرشح، قال ما لم يقله مرشحٌ غيره من عبارات التأييد والانحياز لإسرائيل، الأمر الذي أثار حقاً، حالة من القلق والتحسب في أوساط الفلسطينيين، الذين لم يشعروا بالطمأنينة حيال مواقف هيلاري كلينتون وتوجهاتها … لكن تصريحاً واحداً أطلق ترامب كرئيس منتخب، كان كافياً لتحريك الرهانات ورفع سقف التوقعات من جديد
ترامب أشار إلى رغبته بأن يجعل من حل قضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي جزءاً من إرثه الشخصي … وبصورة تتعاكس مع مختلف التقديرات التي تحدثت عن تجاهل القضية الفلسطينية وإمعان في الانحياز لإسرائيل … هذا التصريح معطوفاً على تصريح آخر لترامب في أثناء حملته الانتخابية، وتحدث فيه عن الحاجة لموقف أمريكي محايد في هذا الصراع، أعاد بعث بعض الأوهام والرهانات … فكل ما يريده الفلسطينيون هو “الحياد الأمريكي، وليس انتصار واشنطن لحقوقهم وقضيتهم العادلة وكفاحهم المشروع … بل أن الفلسطينيين سيكونون سعداء أيضاً، إن اكتفى أي رئيس أمريكي بدرجة أقل من الانحياز لإسرائيل.
الانتظار والقلق والتحسب والتهكن، كلمات تلخص حال العواصم الإقليمية، من طهران إلى أنقرة، مروراً بالحركة الكردية في سوريا والعراق وتركيا، وهي الحالة التي تتفشى في العواصم الأوروبية والآسيوية ودول حوض “المحيط الهادي” خصوصاً بعد أن كشف الرجل أن أول قرار سيتخذه حال وصوله للبيت الأبيض، هو الانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر الهادي، ضارباً عرض الحائط، بكل ما توصلت إليه الإدارة السابقة من تفاهمات وتوافقات.
(الدستور 2016-11-24)