تزايد عدم اليقين بالمستقبل
الاستقراء للوضع العالمي والإقليمي والمحلي، يؤشر إلى تزايد عدم اليقين والثقة بالمستقبل؛ ليس على الصعيد العام فقط، وإنما على الصعيد الشخصي أيضاً.
للعولمة الاقتصادية نصيب الأسد في التأثير في مشاعر عدم اليقين؛ وبخاصة من خلال السياسات الاقتصادية التي أدت إلى انتقال رأس المال والأنشطة الاقتصادية بسرعة كبيرة بين الدول، ما أحدث تأثيرات متباينة على الدول، المتقدمة منها والنامية. فالدول النامية التواقة إلى رأس المال والتكنولوجيا، تعمل كل ما في وسعها لاستقطاب الاستثمار في اقتصاداتها، وتعطيها كل التسهيلات الممكنة. والعديد من الدول استفادت من الاستثمارات الأجنبية، لكن هناك عدد أكبر من تلك الدول لم تجنِ الثمار المرجوة من هذه الاستثمارات؛ إذ إنها لم تسهم بشكل واضح في تحريك عجلة الاقتصاد، وأصبحت اقتصادات تلك الدول منقسمة إلى اقتصاد معولم ومتقدم تكنولوجياً، واقتصاد تقليدي متخلف تكنولوجياً غير قادر على المنافسة العالمية.
الأهم من ذلك أن الولوج إلى عصر العولمة لم يؤدِ إلى معالجة أكبر مشكلتين تواجهان تلك الدول، وهما: الفقر والبطالة؛ لا بل إنهما تفاقمتا في أغلب دول العالم، وبخاصة البطالة لدى الشباب.
والدول المتقدمة لم تكن بمنأى عن التأثيرات السلبية للعولمة، لأن الشركات الكبرى بدأت تغلق مصانعها في تلك الدول وتنتقل إلى الدول النامية أو متوسطة النمو؛ وذلك لرخص العمالة، ولتفادي دفع الضرائب في تلك الدول، ما أدى أيضاً إلى تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة في الدول المتقدمة.
وتتمثّل الآثار السياسية لهذه المشكلات الاقتصادية في صعود اليمين واليمين المتطرف في أميركا والدول الأوروبية، وفي زيادة التطرف في دول العالم الثالث.
عدم اليقين والخوف من المستقبل في المنطقة يأخذ طابعاً إضافياً ومختلفاً عن غالبية دول العالم. فبالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية، فإن الأزمة الإقليمية والحروب الداخلية في أربع دول عربية مهمة؛ شهدت عنفاً غير مسبوق وتهجيراً لملايين المواطنين، خلقت حالة استثنائية من عدم اليقين والثقة في المستقبل.
الاقتصادات في تلك الدول أصبحت مدمرة، ما أثر بشكل مباشر على اقتصادات دول المنطقة كافة، ولا سيما دول الجوار. هذا الوضع طال الدول الغنية بالموارد والفقيرة على حدّ سواء، لكن حدّية أثر الأزمة الاقتصادية الناتجة عن هذه الحروب كانت أقسى على دول الجوار في ظل أوضاع اقتصادية صعبة أصلاً، فازدادت حدة مشكلتي الفقر والبطالة، وبخاصة لملايين الشباب العرب.
حالة عدم اليقين في منطقتنا ليست مقتصرة على الأوضاع الاقتصادية السيئة، بل تمتد لتشمل أيضاً البعد السياسي؛ وصعود التطرف والعنف، وبخاصة العنف الطائفي؛ وصعود الحركات المتطرفة العابرة للحدود، حتى أصبحت المحافظة على وحدة الدول والأوطان تحدياً وجودياً.
هذه المخاطر مجتمعة خلقت حالة من العنف والخوف والقلق بشأن المستقبل إزاء هذه الأوضاع الكارثية في منطقتنا، ما يحتم علينا توجيه السياسات والمصادر لحماية المجتمعات من التفكك والتطرف والعنف وزيادة التكافل الاجتماعي حتى تنتهي هذه الأزمات.
(الغد2016-12-15)