العصر ليس لهم
عادت حلب الى حلب ، عادت الشهباء الى حضن الوطن الأكبر..سوريا ، محزونة مجروحة موجوعة علّها تجد سلامها وسلامتها .
في سوريا ، سقط الأرهابيون الذين يمارسون الانتقام ، ويحلمون بالجنة !! وانتهى مشروع التقسيم، كما انتهى مشروع العالقين في الماضي، الذين يحاولون القفز على السلطة باسم المقدس، واقامة انظمة خاصة بهم ، في اكثر من بلد عربي ، عبر خطاب سياسي فقير ، ومن خلال استغلال فشل بعض الأنظمة السياسية في تحقيق العدالة ، وتدهور الأوضاع الأقتصادية ، وانتشار البطالة في أحزمة الفقر والعشوائيات حيث يعيش المحرومون .
وفي مصر سقطت الفتنة الطائفية . أما هم وأعني الأرهابيين ، ومعهم رعاة ودعاة الارهاب ، ظلوا يتجولون في العتمة ، يتسللون الى الزوايا المظلمة ، يقتلون جنديا ، أو شرطيا ، أو يزرعون لغما ، أو يفجرون سيارة في سوق شعبي ، يقتلون الأبرياء من اطفال ونساء في عمليات جبانة مدانة ، كما حدث في الكنيسة البطرسية بالقاهرة ، بهدف نشر الذعر والفوضى والفتنة الطائفية . لذلك كتبوا نهايتهم بانفسهم ، بعدما خسروا حروبهم ، وفقدوا أي تأييد وتعاطف ، حتى في بيئتهم الحاضنة .
حاولوا التوسع والتمدد على مساحة الوطن العربي ، فوجدوا عقلهم المفكر والمخطط في مصر ، أما جسدهم ففي سوريا ، والمرجعية واحدة ، والداعم الممول معروف مكشوف ، فالكل يعرف من يمول ويسلح ويدرب ويحشد ويحرض ، كما يعرف من يفتح حدوده أمام المسلحين المجندين المضللين الحاقدين ، للتسلل الى مواقعهم وخنادقهم في كل البلاد العربية المشمولة بالمشروع المشبوه ، لممارسة العنف والقتل ونشر الفوضى ، وبالتالي تفكيك الدول واسقاط الأنظمة وتقسيم البلاد على قاعدة طائفية وعرقية ، وهو المشروع الذي اشار اليه الرئيس الأميركي المنتخب رونالد ترامب صراحة .
نزفت مصر دما ، وحزنت على ضحاياها ، ونزفت سوريا ، وما تزال تنزف ، ولكن القاهرة ليست قرطبة ، فهي الباقية بنظامها ونيلها وتاريخها وحضارتها وهويتها العربية ، كذلك دمشق ليست غرناطة ، فهي العاصمة الأموية العربية الباقية بتاريخها الذي يحاكي الزمن ، ولكن مشروع الشر سيسقط فكرة وجسدا . وقد تكون حلب هي بداية النشيد النهضوي الجديد .
أما دعاة ورعاة الأرهاب ، نراهم على شاشات الفضائيات كل يوم ، وفي كل لحظة ، عندما يحشر الأرهاب ، يطالبون بهدنة ( انسانية ) أو وقف القتال ، من أجل منح المنظمات المتشددة فرصة اعادة الانتشار ، ووصول التعزيزات اليهم في مواقعهم . كل ذلك يحدث تحت عنوان محاربة الارهاب ، أو الزعم بالقضاء على داعش ، كما جاء في جلسة مجلس الأمن الأخيرة ، حيث تحول الاجتماع الى " محكمة اخلاقية " !!
هؤلاء ، الذين يدعمون الارهابيين ، كانوا مشغولين طوال السنوات الخمس ، بتجنيد وتدريب وتسليح وتعبئة رجال المنظمات المتشددة الارهابية ، ولم يسبق لهم أن أطلوا علينا ليطلبوا وقف القتال، وحل المشكلة بالحوار والطرق السياسية والدبلوماسية ، أو الدعوة لفرض وقف شلال الدم ، وانهاء معاناة المدنيين في كل ساحات القتال العربي وميادين التدمير الذاتي ، بل كانت مهمتهم عرقلة كل الحلول السياسية السلمية .
الحقيقة ، لا استطيع التصور كيف ستكون احوال الأمة ، لو نجح المتطرفون في مشروعهم ، وقفزوا الى مواقع السلطة في اكثر من بلد عربي ، مع اصرارهم على الانتقام ورفض الآخر، والتسلح بهذا الكم من الوحشية والتخلف ، وعدم وجود مشروع عصري لادارة الحكم ؟!
لكل ذلك كانت الهزيمة الحتمية قدرهم ، في مصر وسوريا وكل موقع ، حتى لو وقف كل الغرب معهم ، لأنهم عالقون في الماضي ، ينظرون الى الخلف ، يتعثرون في مسيرتهم ، لأنهم لا ينظرون الى الأمام ، ولا ينتمون الى العصر ، ونأمل أن تكون حلب هي البداية ، وهي الفاصل بين تاريخين .
(الراي2016-12-15)