ما بعد حلب: هل نضجت ظروف.. الحل السياسي؟
تحرّرت حلب وانكسرت شوكة الجماعات الارهابية, وخرج ما تبقّى منها بطريقة ذليلة اقرب الى الاستسلام الكامل منه الى اي شيء آخر, يمكن لواضعي «استراتيجية» الصخب والعويل والتهويل، ان يصفوها به, وهو ما شاهدنا ذروته في جلسة «الكلام»المُنمّق, التي عقدها مجلس الامن الدولي بطلب فرنسي بريطاني, للبحث في «المذبحة» التي تجري في حلب, ورأينا بالصورة والصوت حفلة التباكي والنفاق الغربي الموصوف، الذي يعلم السوريون قبل غيرهم, ان هذه «الثلاثي» الغربي الاستعماري (أضِف إليه.. تركيا وبعض العرب) هم المسؤولون عمّا لحق بسوريا, الشعب والدولة والعمران والحضارة والتاريخ, من دمار وخراب وفوضى متمادية، ما كان لها ان تستمر لست سنوات (وربما اكثر, اذا لم يُسارِعوا الى استخلاص الدروس والعِبر قبل فوات الاوان)، لو ان المُبشّرِين بالديمقراطية الغربية المُزيّفة والقِيَم الاميركية المزعومة، انصتوا الى صوت العقل وتركوا السوريين يُحلون مشاكلهم بأنفسهم، قبل ان يدفعوهم الى مغامرة «الجهاد» والثورة المسلحة وغيرها من الاساليب والمقاربات التي قامت في الاساس على نظريات تكفيرية واخرى جهادية وثالثة تروم بعث دولة الخلافة الراشدية, وخصوصا ذلك العثماني السلجوقي الجديد مِن أنقرة, الذي ظنّ ان الفرصة باتت سانحة لاستعادة أمجادٍ بائدة, لامبراطورية عثمانية استعمارية استبدادية، لم يَنَلْ العرب من «افضالها», سوى القمع والتنكيل ونهب الثروات والممارسة العنصرية, وصولا الى مرحلة التتريك التي كادت ان تسود المشهد العربي, لولا تفكُّك الدولة وانهيارها قبل أزيد من مائة عام بقليل.
ما علينا....
عادت حلب الى اهلها, وخرج الارهابيون تحت وقع الهزيمة الساحقة التي لحقت بهم, وألقَت بالمشاريع الاميركية التركية وبعض العربية فى سلة القمامة, وبات السؤال – المشروع بالتأكيد – المطروح الآن هو: ماذا بعد حلب؟.
واذ الخيار العسكري ومحاولات إسقاط الدولة السورية بالقوة وعبر «استيراد» آلاف المرتزقة والسرّاق والمنحرفين وتجار الحروب وشركات التزويد بالحشيش والبلطجية, فضلا عن صفقات العتاد والاسلحة الحديثة التي «هطلت» على سوريا في شكل غير مسبوق، قد وصلت الى نتيجة كارثية على المُموَّلين والمُسلّحين وخصوصا الداعمين وفصائل المرتزقة وكتائبها التي حملت اسماء ومسميات عديدة، فان الامور محكومة الان بخيار الحل السياسي الذي يصعب بل ربما يستحيل الان، ان يتواصل على الطريقة التي سار عليها او أُريد له (أميركياً وعربياً) ان يكون ممراً إلزامياً تحت طائلة التهديد (الغربي والعربي) بمواصلة تسليح ودعم الارهابيين والتكفييرين، بل هناك من ابدى استعدادا لتزويدهم بأسلحة متطورة, ظناً من هؤلاء ان ذلك سيدفع الحلف الذي يدافع عن الدولة السورية وشعبها,إلى رفع الراية البيضاء والتسيلم بما جاء في ما يوصف بـِ (جنيف واحد).
لم تعد الظروف التي تم استيلاد وثيقة جنيف واحد فيها... قائمة الان, بل يمكن القول إن القرار 2254 بات هو الآخر.. من , ميدانياً وسياسياً ودبلوماسياً، بعد ان لم يعد يجمع بين «رعاة» هذه الاجتماعات والوثائق والقرارات اي جامع, وخصوصا ان الحلف الغربي - العربي الذي راهن على العمل العسكري، لم يصل الى قناعة بان الحل السياسي ممكن, ولهذا بقِي حتى ربع الساعة «الحلبية».. الاخيرة، يُمنيّ النفس بنصر عسكري تمهيداً لإعلان حلب عاصمة «للثورة» ومقرا للحكومة «المؤقتة» التي اخترعها ائتلاف اسطنبول ورعاته في المنطقة العربية وعبر المحيطات، إلاّ أنهم باتوا الآن أمام ساعة الحقيقة, فراحوا يتراشقون بالاتهامات ويُلقي كل منهم المسؤولية على غيره في ما آلت اليه «الثورة», وما انتهت اليه مشروعات تقسيم سوريا وإقامة دويلات طائفية او مذهبية او عِرقية فيها، ودائما في اتخاذها منصة لإعادة رسم خرائط المنطقة, وتفتيت الوشائج الوطنية والقومية العربية, وتعزيز الهويات الفرعية والإنعزالية والجهوية والطائفية والمذهبية, وخصوصا في اعتبار الصراع الدائر الآن هو بين السنة والشيعة لا ملف او صراع يتقدم علىيه, هذا الصراع الذي نبت فجأة وبضراوة في مشهدنا العربي مباشرة بعد هبوب رياح الربيع العربي, الذي بات صقيعاً وعاصفاً – في الوقت ذاته الذي خرجت فيه اسرائيل اكثر راحة واقل قلقا في شأن وضعها الاستراتيجي, وخصوصا في ظِلِ تحالفاتها السرية والعلنية في الاقليم, التي تمنحها الفرصة «التاريخية» ليس فقط في الاحتفال باليوبيل «الذهبي» لاحتلال القدس, والذي قد يتزامن مع نقل «ترامب» السفارة الاميركية الى «عاصمة» اسرائيل «المُوحّدة والأبدية» وانما ايضا في اقامة احتفالات صاخبة بالذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور (هل تذكرون 2/11/1917؟).
قد لا تكون الظروف ناضجة، بما فيه الكفاية’ للشروع الفوري في البحث عن حَلٍ سياسي للازمة السورية, ينهض به السوريون انفسهم وفي دمشق بالذات، لأن معسكر «المهزومين» يواصِل المكابرة, ويدّعي البطولة والشهادة ويذرف المزيد من دموع التماسيح على «حلب الشهيدة», وايضا لأن لا مصلحة لهؤلاء في استعادة لسوريا وحدتها، وتضميد جراح شعبها وعودة مُهجّريه ونازِحيه ولاجِئيه الى بلداتهم وقراهم ومدنهم، ولهذا قد تدفعهم احقادهم وضيق آفاقهم وسقْمِ خيالهم السياسي والإستراتيجي, الى الرهان «مُجدّداً» على الحل العسكري, وقد لا يطول الوقت لأن يكتشفوا ان النتيجة حينذاك, لن تختلف عما هي عليه الان.
بعد عودة حلب الى كنف الوطن السوري آن الأوان للقول: ارفعوا ايديكم عن سوريا وشعبها, ودعوا السوريين – كل السوريين – يتوصلون الى الصيغة التي تُرضيهم وتحول دون إقصاء او إلغاء أحد, في دولة لكل مواطنيها... ديمقراطية وعادلة.
(الراي2016-12-15)