توقعات اقتصادية قاتمة
نخشى أن الأسوأ هو ما ينتظرنا للعام المقبل. وقد لا يخفف منه إلا انفراج حاسم شرقا وشمالا؛ أي في سورية والعراق، فتنفتح الحدود وتتحرك العجلات على الطرق، ويدخل الأردن بقوة على خط إعادة البناء والمشاريع المشتركة. وهذا الأمر ليس بيدنا، بل إن المؤشرات، مع الأسف، لا تدعو إلى التفاؤل حتى بعد تحرير الرقة والموصل، لأن السؤال الذي يبعث القشعريرة في الأبدان هو: ماذا بعد "داعش"؟ فالسيناريوهات كئيبة، بل مخيفة. والمتوقع مباشرة هو صراع محتدم بين الأطراف الكثيرة في الميدان لتحقيق وتثبيت مكاسب، بما في ذلك إحداث تغييرات ديمغرافية على الأرض يدفع ثمنها السكان المدنيون. ولعل ما يحدث في حلب هو نموذج للتوحش الكامل الذي سيتوالد وتنغمس فيه الأطراف كافة التي ستدخل في تحالفات فرعية وتكتيكات براغماتية وغير أخلاقية، بما فيها إعادة توليد دواعش جديدة، أو حتى إعادة الاستثمار في "داعش" الحالي، كما رأينا ذلك بجلاء في تمكين التنظيم من احتلال تدمر، بينما المفروض أنه قيد التراجع والاندحار!
لا نريد الغرق في السوداوية. لكن لغايات موضوعنا، فإن الفرضية الأكثر واقعية هي تحييد العامل الإقليمي؛ فهو مفتوح على تطورات سلبية أو إيجابية ليست باليد على كل حال. وتبقى المعطيات المحلية بين أيدينا لا تشير الى أي خطة ملموسة لمواجهة الموقف. فهناك فقط فكرة الحكومة عن زيادة الإيرادات بحجم ملفت (مليار دينار تقريبا)، من دون أن تقول الحكومة كيف ستحققها. فالخطة، كما وردت في قانون الموازنة للعام المقبل، هي تحصيل زيادة عن العام الحالي بنسبة 16 %، معظمها من الضرائب التي ستشكل 70 % من الإيرادات المحلية، فتكون نسبة الزيادة في الضرائب عن العام 2016 هي 20 %. وقد اعترف وزير المالية الصريح دائما أن الحكومة لم تقرر بعد كيف ستحصّل هذه النسبة.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن رفع الإيراد من ضريبة الدخل يحتاج تعديل القانون خلال العام 2017، ولن يدخل حيز التنفيذ قبل العام 2018، يبقى المصدر الآخر هو الضرائب على السلع والخدمات! وربما أيضا الجمارك، إضافة إلى التشدد في ملاحقة التهرب الضريبي وتحصيل مستحقات الحكومة على المواطنين؛ وكلها أمور غير مؤكدة. واللجنة المالية في مجلس النواب تناقش الآن مشروع قانون الموازنة. ونفترض أنها ستناقش هذا مع الحكومة، وستصل معها إلى تفاهمات محددة، مع أنني -حسب خبرتي- أشك في قدرة الطرفين فنيا وسياسيا على الوصول إلى قرار. فالنواب شعبيا لا يحبون التورط في المسؤولية عن رفع الضرائب والأسعار؛ والحكومة لا ترغب في التزامات مسبقة. وستصبح مصلحة الطرفين تعويم الموقف عبر توصيات عامة وربما متناقضة، مثل التأكيد على رفع الإيرادات وتخفيض الأسعار في الوقت نفسه.
منتدى الاستراتيجيات الأردني برئاسة د. عمر الرزاز، أصدر ورقة تحليلية حول موازنة العام 2017، وأبدى ملاحظات مهمة بهذا الصدد، من بينها أن الإيرادات الضريبية ستزيد بنسبة عالية تفوق كثيرا نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يعني زيادة كبيرة في العبء على المواطن، تؤثر سلبا على الاقتصاد باتجاه الانكماش، وهو ما يؤدي إلى تراجع النمو، مع أن النسبة المفترضة أصلا من الحكومة غير واقعية. ويلاحظ أن اهتمام الحكومة بالبعد الاجتماعي ودعم الفئات الفقيرة لم يتقدم. وكذلك عدم وضع استهدافات لتخفيض نسب البطالة. وطالبت الورقة بمنهجية للموازنة موجهة بنتائج الأداء، أو وفق العبارة المعروفة "موازنة موجهة بأهداف قابلة للقياس".
يجب أن نعبر بأمانة عن مخاوفنا؛ فالتوقعات للوضع الاقتصادي الاجتماعي للعام المقبل ليست وردية أبدا، ونخشى الأسوأ. ونقترح أن تنفتح الحكومة على حوارات حقيقية مع المجتمع حول الخطة والإجراءات لمواجهة الموقف.
(الغد2016-12-16)