هل سيذري الروس على ذقن الأسد
لم يأخذ الذين أفرحتهم انتصارات الروس والطوائف المذهبية الإيرانية في شمالي حلب بعين الإعتبار أنَّ حاكماً جاءت به الأقدار «صدفة» ليتبوأ الموقع الذي بات يحتله لا يمكن أن تبقيه هذه الإنتصارات «المستعارة» فوق كرسيِّ الرئاسة إلى الأبد وذلك لأن «الغزاة» الذين أصبحوا يحتلون سوريا قد جاءوا بـ»أجندات خاصة» وأن كل ما يهمهم هو هذه الأجندات التي لها الأولوية في البداية والنهاية وهذا كان يجب أن يدركه الذين يعتبرون أنفسهم يحكمون في دمشق قبل أن يفتحوا أبواب :»القطر العربي السوري» لكل هذه الشراذم التي جاءت من خلف الحدود بأحقاد تاريخية دنيئة.
الآن وبعد أن أصبحت حلب كومة من الحجارة والأتربة بادر الروس إلى تغيير اتجاهاتهم وبدأوا يتحدثون بلغة (سياسية) جديدة غير اللغة التي كان يتحدث بها سيرغي لافروف بل ها هم ينخرطون في مفاوضات سرية وعلنية مع المعارضة السورية التي كانوا يعتبرونها تنظيمات إرهابية ومعهم منظروا بدعة :»تحالف الأقليات» الذين كشفوا الأقنعة عن وجوههم الحقيقية التي كانوا يغطونها بأصباغ قومية وعروبية زائفة.
لم يأت الروس بجحافلهم وقاصفاتهم الإستراتيجية وجيوشهم إلى سوريا من أجل تثبيت رئيسٍ جاءت به مهازل القدر إلى الموقع الذي بات يحتله وبات لم يتورع من أجل الحفاظ عليه عن تحويل هذا البلد العربي إلى أكوام من الأتربة والحجارة وإرسال الشعب السوري بمعظمه إلى لاجئين في كل أرجاء المعمورة .. بل من أجل مصالحهم الخاصة المتمثلة في قاعدة حميميم.. وطرطوس بالطبع وفي تواجد أساطيلهم في الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط والمتمثلة أيضاً في جزيرة القرم وأوكرانيا وجورجيا وفي بعض دول أوروبا الشرقية .
لقد كان على بشار الأسد لو أنه مهيأٌ للإستفادة من عبر التاريخ أن يتعامل مع إنتفاضة درعا بغير الحديد والنار وبتر أنامل الأطفال الذين تأثروا بأجواء الربيع العربي هتفوا ضده وطالبوا برحيله وعدم بقائه لكن ولأن أهله «تلمذوه» على ما فعلوه في حماه عام 1982 ولأنه حفظ هذا الدرس جيداً فإنه أقحم سوريا في كل هذه الويلات وفتح أبوابها للمحتلين الروس ولكل هذه الشراذم الطائفية التي صدَّرتها إيران إلى «القطر العربي السوري» التي تشير آخر المعلومات أن عددها قد تجاوز الستة والستين تنظيماً على رأسها حزب الله اللبناني .
وهكذا فإن أغلب الظن لا بل المؤكد أن الروس سينحازون إلى مصالحهم الإقليمية والدولية بعدما حققوا ما كانوا أرادوه وسعو إليه من غزوهم الإحتلالي لسوريا.. فالعلاقات بين الدول مصالح وهناك مثل يعرفه الفلاحون الأردنيون الطيبون يقول :»إنْ هبْ هواك ذرِّي على ذقن صاحبك» والواضح أن فلاديمير بوتين سيذري على ذقن بشار الأسد لأنه قد حقق من هذا الغزو ما أراده ولأن مصالحه الرئيسية أصبحت مع تركيا ومع بعض الدول العربية وقبل هذا وذاك مع الولايات المتحدة الأميركية .
إنَّ الروس مثلهم مثل غيرهم لا يمكن أن يبقوا يراهنون على ورقة خاسرة ويقيناً أن أهم ما في معركة أو حرب حلب أنها أكدت أن من يراهن على نظام بشار الأسد يراهن على ورقة خاسرة ولذلك ولأن الروس قد أدركوا هذه الحقيقة فإنهم سيبادرون إلى التخلي عن هذه الورقة والسعي للإمساك بورقة مصالحهم التي حتى قبل احتلالهم لسوريا كانوا يسعون إليها لأنهم يعتبرونها الورقة الرابحة.
(الراي2016-12-18)