هل رفع الرسوم حل لمشكلة الجامعات الرسمية؟
بات جميع المختصين والمهتمين على دراية بمشاكل التعليم العالي، ومن أبرزها المشكلة المالية. فأغلبية الجامعات الرسمية تعاني أزمة مالية خانقة، يعتقد البعض أنها أحد أسباب تراجع التعليم العالي في الأردن. والمشكلة تكمن في أن الدعم الحكومي للجامعات لم يعد كافياً لسد احتياجاتها المالية، ما أدى إلى لجوء الجامعات لابتكار ما سُمي "البرنامج الموازي". لكن اللجوء إلى "الموازي" لم يحل المشكلة المالية لأغلبية الجامعات، بالإضافة إلى أنه محط انتقاد كبير من منظور المساواة بين المواطنين الأردنيين؛ فالتعليم هو نفسه، لكن هناك فاتورة مختلفة مقارنة مع القبول التنافسي. علاوة على ذلك، فإن "الموازي" والتوسع غير المدروس في برامج الدراسات العليا، أحدثا ضغطاً على قدرات وإمكانات الجامعات الرسمية، ما أدى إلى تراجع في نوعية التعليم العالي للجميع، ولا سيما أن بعض الدراسات غير المنشورة تشير إلى أن أداء الطلبة الملتحقين بالجامعات من خلال "الموازي"، وخاصة في الكليات النظرية، أدنى من نظرائهم الذين يدخلون الجامعة من خلال البرنامج التنافسي.
الحكومات المتعاقبة لم ترفع قيمة مساهمتها في تغطية نفقات الجامعات. وليس متوقعا أن تغير حجم هذه المساهمة على المدى المنظور. وفي ظل هذا الوضع، ما هي الحلول المتاحة للأزمة المالية التي تعاني منها الجامعات؟
يطرح بعض الأكاديميين فكرة زيادة الرسوم الجامعية، وإلغاء البرنامج الموازي كلياً. وبالطبع، هذا الاقتراح سيكون مرفوضاً على أسس سياسية بحتة. إذ إن مسؤولية الدولة توفير التعليم بعدالة لأبنائها، وأن لا يصبح للقادرين مالياً فقط، ويتم حرمان الطلبة من فئات ذوي الدخل المحدود والفقراء من حقهم في التعليم.
المؤيدون لرفع الرسوم يجادلون بأن تكلفة الأقساط وفق القبول التنافسي لا تغطي 40-50 % من التكلفة الفعلية للطلبة. وبما أن الحكومة غير قادرة على سد الفجوة، فإن الذي يدفع الثمن هم الطلبة أنفسهم، بسبب تراجع مستوى التعليم جراء اللجوء إلى "الموازي" وتضخم أعداد الطلبة. كما يجادل البعض بأنه ليس من المعقول أن يدفع الأهل أقساطا لأبنائهم في المدارس الخاصة أضعاف ما يدفعونه لأبنائهم في الجامعات.
أما الذين يعارضون فكرة رفع الرسوم، وكما أشرت، فيقولون إن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار أرهقا الأسر الأردنية، خاصة الطبقة الوسطى؛ وأن أي زيادة للرسوم ستؤدي إلى زيادة معاناة هذه الأسر، وقد تقود إلى حرمان الطلبة المبدعين من ذوي الدخل المتدني من الحصول على حقهم في التعليم.
مبدأ الحق في التعليم يجب أن يبقى معياراً في أي خطط في المستقبل. لكن الوضع الحالي لم يعد مقبولاً؛ من مبدأ المساواة (بسبب وجود "الموازي") ومن حيث نوعية التعليم. وبالتالي، يجب التفكير ودراسة البدائل المحتملة من دون المساس بالحق في التعليم ونوعية التعليم. وعلى الأقل في المرحلة الحالية، يجب التفكير بمعادلة رابحة للجميع. فعلى سبيل المثال، يمكن تحويل المبلغ الذي تدفعه الحكومة إلى صندوق خاص يخصص للمنح الدراسية للطلبة من ذوي الدخل المحدود الذين يتم قبولهم تنافسياً، لتغطية تكلفة دراستهم بالكامل، بالإضافة إلى تخصيص جزء من هذا المبلغ يستخدم على شكل قروض لطلبة من أبناء الطبقة الوسطى يتم سدادها بالتقسيط المريح بعد أن يلتحقوا بوظائف. وإذا تم إنشاء هذا الصندوق، فيجب أن لا يقل حجمه عن 70-80 مليون دينار، هي قيمة الدعم الحكومي للجامعات. ويتم بذلك تحويل الدعم للطلبة بدلاً من تحويله للجامعات، وسيغطي تكلفة أكثر من 60 % من الطلبة مباشرة. كذلك، يجب على الجامعات إلغاء الرسوم بالكامل عن طلبة الدراسات العليا وإعطاؤهم منحاً دراسية بعد أن تستقطب الأفضل، مع تفرغهم تماما للدراسة.
إصلاح البعد المالي في التعليم العالي بات ضرورة ملحة. لكن لا بد أن يكون ذلك ضمن حزمة متكاملة، تحفظ الحق في التعليم، وترقى في الوقت نفسه بمستوى التعليم الجامعي.
الغد 2017-01-05