شعب تطارده السجون للجم مقاومته
من الدلائل على أن انتفاضة القدس تستحق أن تسمى انتفاضة، وليست مجرد هبّة كما يحب أصحاب نظرية “الحياة مفاوضات” تسميتها؛ ما يتعلق بالكم الهائل من الاعتقالات منذ اندلاعها مطلع تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2015، ويكفي هنا أن نتوقف عن إحصاءات 2016 كي ندرك أنها ليست انتفاضة عابرة، وأن الغزاة أنفسهم لا يرونها كذلك.
بلغ عدد من اعتقلوا خلال العام 2016 وحده؛ 6346 معتقلا، من بينهم 205 نساء، و1694 طفلا. وهذا من دون شك رقم كبير يشير إلى نشاطات الانتفاضة الواسعة، في ذات الوقت الذي يكشف مخاوف العدو من اتساعها، وقبل ذلك من انحياز الجماهير الفلسطينية إليها؛ يأسا من مسار السلطة من جهة، وغضبا من الاحتلال ورفضا لوجوده من جهة أخرى.
حديثنا عن الاعتقال كمسار من مسارات لجمع الانتفاضة لا يعني أنه الوحيد على هذا الصعيد، لكنه ما نركز عليه في هذه السطور، ذلك أن الجزء المتعلق بالقدس كان مهما، بل بالغ الأهمية، إذ إن العقوبات الجماعية كانت من أسلحة الاحتلال في مواجهة أهل القدس، وهي المدينة التي فجّرت الانتفاضة، وسمّيت باسمها، وهي التي تميزت بالفعاليات الشعبية، لكن تصعيد العقوبات الجماعية ضد الأهالي فرض إيقاعه على المشهد، إذ من الطبيعي أن يخشى أولئك الشبان على بيوتهم وأهاليهم من دفع ثمن باهظ، وهو أمر إنساني وطبيعي، بخاصة أن الوضع الفلسطيني برمته لم يحسم مسار الانتفاضة (السلطة وفتح بشكل خاص) حتى ينخرط الجميع فيها دون حساب التبعات.
لكن المثير للحزن والقهر في هذا السياق المتعلق بالاعتقالات كنهج للجم انتفاضة الشعب الفلسطيني، هو أنها لم تكن حكرا على الاحتلال وحده، بل شملت أيضا السلطة الفلسطينية التي تورطت بشكل لافت في مطاردة رجال المقاومة، ومن يتبنون خطها، وليس ذلك إلا من أجل ذات الهدف الذي يريده الاحتلال.
في هذا السياق تكشف الإحصاءات ما يستحق التوقف، وآخرها ما نشرته المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ولا قيمة بالطبع لردود المتحدثين باسم الأجهزة الأمنية في الضفة حول طبيعة تلك الاعتقالات، وأنها ضد مخالفي القانون، إذ يعرف القاصي والداني أنها اعتقالات سياسية وضد المؤمنين بخيار المقاومة وليس شيئا آخر.
يكشف تقرير للمنظمة إن عدد من تم اعتقالهم خلال 2016، بلغ 1125 مواطنا، كان أكثرهم طلبة جامعيون وأسرى محررون، في حين سجلت المنظمة 33 حالة تعذيب وحشي بحق المعتقلين، وما ذلك إلا لانتزاع اعترافات تتعلق بنشاطات ذات صلة بالمقاومة.
هذه هي المأساة الكبرى التي تتحرك أمام أعين الشعب الفلسطيني، ذلك أن انتفاضته تتم مواجهتها بكل وسيلة ممكنة، من قبل الاحتلال؛ ومن قبل الأشقاء، وتصمد رغم ذلك وتواصل فعلها، ولو بالحد الأدنى، وبمراوحة بين حين وآخر، الأمر الذي يؤكد إصراره على المقاومة من أجل التحرير من الاحتلال مهما كان الثمن، ولو كانت قيادته بمستوى بطولته وإرادته، لتغير المشهد بشكل كامل.. ولكن.. وآه من ولكن!
الدستور 2017-01-28