الإعلام و"الترامبية": أغلقوا أفواهكم!
من أكثر الأقوال والأوصاف المأثورة عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه، بحق الإعلام والصحافة الأميركية، قول أحد مستشاريه الأسبوع الماضي: "على الصحافة إبقاء فمها مغلقا"، وفي قول آخر: "على وسائل الإعلام أن تشعر بالحرج والإهانة". أما ترامب نفسه، فقد وصف الصحفيين بأنهم الأكثر كذبا في العالم، إضافة إلى بيانه في اليوم الأول له في البيت الأبيض، والذي قال فيه إن الصحفيين هم "من بين الأشخاص الأقل نزاهة في العالم".
يضاف إلى ذلك تراث ثقيل من الخصومة بين الرئيس الخامس والأربعين ووسائل الإعلام، بدأت منذ إعلانه الترشح، وطوال الحملة الانتخابية؛ حينما اصطف معظم وسائل الإعلام الأميركية، وتحديدا شبكات الأخبار الكبرى والصحف اليومية الكبيرة، إلى جانب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وقد بررت ذلك بمواقف ترامب العنصرية، وتحديه القيم الأميركية. المهم أن السجال لم يتوقف، وفي نهاية المطاف فاز ترامب. وكان أول من تجرع الصدمة وسائل الإعلام؛ حينما ضرب ذلك عرض الحائط بقوة وسائل الإعلام ومصداقية مراكز استطلاعات الرأي العام، ما زاد شعور ترامب وفريقه بالعلو على وسائل الإعلام والاستقواء عليها، واستمر في هذا السلوك. وهو ما لوحظ في الأسبوع الماضي حينما وصف الرئيس تغطية الإعلام لحفل تنصيبه بالكذب والتزييف، بل وأهان العديد من كبار المراسلين؛ كما حدث في ملاسنته الكلامية مع مراسل محطة "سي. إن. إن".
في المقابل، يوصف موقف وسائل إعلام كبرى بأنه يستهدف تشويه صورة الرئيس، وإضفاء صورة قاتمة على سلوكه ومواقفه وحياته الخاصة. وهو –وفق هذا الرأي– ما تجتمع عليه شبكات الأخبار وصحف كبرى، وبرامج الكوميديا الساخرة التلفزيونية الشهيرة.
المهم أن العالم يقف على ظاهرة جديدة في إدارة علاقة الدولة العظمى -التي تقود النظام العالمي والعالم الديمقراطي- مع وسائل الإعلام. صحيح أن لوسائل الإعلام الأميركية جولات وصولات مع إدارات عدة، في مناهضة السياسات وقرارات الحرب، مثلما حدث في مراحل حرب فيتنام وغيرها، لكن هذا التراث لم يصل يوما إلى مستوى محاولات النفي والإقصاء، كما يحدث في هذه الأيام. يحدث ذلك في مرحلة تشهد تحولات كبيرة في الاتصال والإعلام الجماهيري التقليدي الذي يكاد يغادر مشهد الحياة العامة، بينما تتنامى أدوات التعبير التي يملكها الأفراد ويتحكمون بها، ما قد يتطلب النظر من زاوية أخرى لعلاقة الإعلام التقليدي بالسياسة، وأن الظاهرة "الترامبية" محطة في طريق التحولات الكبرى الجارية.
تصوروا لو لم تتوفر للرئيس وفريقه وسائل أخرى للتعبير وإيصال رسائله للجمهور والتفاعل معه؛ هل كان سيتجرأ على كل هذه العنجهية في التعامل مع الصحافة المحترفة؟ وهل كان بمقدوره أن يوجه الإهانة تلو الإهانة لمن كانت تُعرف بـ"السلطة الرابعة" في النظم الديمقراطية؟
فريق ترامب يصف الصحافة ووسائل الإعلام عموما بأنها المعارضة السياسية لإدارته، في حين بات الكثير من الخبراء يعودون إلى النظريات والكتب القديمة والجديدة لتفسير الظواهر الجديدة؛ هل باتت وسائل الإعلام بالفعل بعيدة عن الناس، ولم تعد قادرة أن تقوم بدور الجهاز العصبي القادر على نقل واقع المجتمعات وبناء التوقعات وتفسير الظواهر؟
العالم يتغيير بسرعة. ويبدو أن قوة وسائل الإعلام المحترفة تتراجع. لكن لم نكن في يوم نتوقع أن يتم ذلك بهذه الطريقة، وأن يتم هز عرش صاحبة الجلالة بكل هذا الاستقواء!
الغد 2017-01-28