المنطقة الأمنية في سوريا .. ومصير جبهة النصرة

تم نشره الأحد 29 كانون الثّاني / يناير 2017 04:18 مساءً
المنطقة الأمنية في سوريا .. ومصير جبهة النصرة
د.فطين البداد

 تتعرض جبهة النصرة المصنفة على قائمة الإرهاب هذا الأوان لحرب ضروس بعد أن اعتبرتها تركيا  منظمة إرهابية عقب سنوات من الصمت المطبق ، جراء تحالف هذه الجبهة التي أسمت نفسها " فتح الشام " مع فصائل تتبع الأتراك   ، مما يعيد الذاكرة إلى الإنقلاب الذي قامت به فصائل سورية ضد تنظيم داعش قبل سنوات ، الأمر الذي حدا بداعش في حينه  إلى إمهال الفصائل لاستلام النقاط التي يسيطر عليها في مواجهة النظام ، ومن ثم  الإنسحاب من كل النقاط التي كانت تحت سيطرته ومقراته قبيل أن تشتعل حرب ضروس شنتها جبهة النصرة وأحرار الشام وغيرهما على هذا التنظيم الذي تمكن من احتلال دير الزور والرقة وأراضي شاسعة في عموم العراق وسوريا .

فإذا كانت جبهة النصرة ، المحسوبة على تنظيم القاعدة رغم تغيير اسمها وإعلانها فك ارتباطها بالظواهري ومباركة الأخير لذلك ، توحدت مع بقية الفصائل في جبهة واحدة اسمها " جيش الفتح " وتمكنت من إحراز انتصارات على النظام في أكثر من موقعة ، فإن وضع الجبهة الآن أصبح في خطر جراء انضمام عدة فصائل مهمة من قبيل صقور الشام وجيش الإسلام  - إدلب  ،الجبهة الشامية ( حلب الغربي ) وجيش المجاهدين وتجمع استقم  إلى حركة أحرار الشام المدعومة من تركيا على الأرجح ودول أخرى  ، والبدء بمعارك طاحنة مع جبهة الجولاني " النصرة "عقب اتهامها بمهاجمة الفصائل التي شاركت في مؤتمر أستانا ، خاصة بعد أن تعهدت هذه الفصائل  للروس والأتراك بقتال الحركات الإرهابية ، ولما أدرجت جبهة النصرة على قائمة الأرهاب من قبل تركيا مؤخرا  ، وصدر بيان من الإئتلاف يعتبر النصرة فئة باغية ،  فقد اتضح السيناريو الذي سنرى فصوله  في الأيام  القادمة : وهو دخول جبهة النصرة في معارك وجودية مع الفصائل الأخرى  حيث لا هوادة في معركة يشرف عليها الأتراك والروس معا ويباركها ترامب  ، وهو ما يحدث الآن في دير الزور حيث تقوم المقاتلات الروسية بقصف المدينة  ، وبغارات شديدة على مدينة الباب الواقعتين تحت سيطرة تنظيم الدولة ، بينما قامت طائرات أمريكية بقصف مواقع النصرة في إدلب ، مما دفع بالنصرة إلى اتهام الفصائل الأخرى بتسريب أحداثيات ومعلومات  للأمريكان   ومن هنا تحولت  الشرارة العسكرية إلى " شارة "  سياسية في أستانا لها ما بعدها .

وشخصيا ، لا أعتقد أبدا أن تنضم جبهة النصرة إلى تنظيم داعش ، أو أن تعود إلى أحضانه بعد انشقاقها عنه بداية الثورة حينما ذهبت لمبايعة الظواهري ،وهي تحليلات أطلقها مراقبون ،  وذلك لأن البون - كما أراه -  شاسع بين النصرة وبين تنظيم البغدادي الذي لا يقبل القسمة على اثنين ، فإما أن  تلتحق النصرة به معلنة التوبة كما يشترط ،وتنخرط في حروبه تحت قيادة أمرائه وقادته ، وإما أن تذوق ما ذاقت داعش مما تسميه " خيانة " أقدمت عليها صحوات الشام ،  كما سبق وفعلها ويفعلها الآن  صحوات العراق وفق توصيفات التنظيم الإرهابي  .

ولتأكيد هذا المنحى ، وفي رد على أحرار الشام التي ابتلعت فصائل مسلحة ، وجدت جبهة النصرة حلا في مناورة لا بد منها طالما أنها لن تلجأ لداعش ، وهو الإندماج مع فصائل تريد تطبيق الشريعة في سوريا ، وهكذا كان ، حيث أعلن السبت عن أن الجبهة حلت نفسها بمسماها " فتح الشام " واندمجت مع فصائل أخرى هي : نور الدين زنكي ، جيش السنة  ، لواء الحق ،جبهة أنصار الدين ، وذلك في كيان جديد يدعى " هيئة تحرير الشام "  وأعتقد بأن هذا التشكيل الذي أريد له أن لا يكون بقيادة الجولاني بل بقيادة رجل انشق عن أحرار الشام وهو أبو جابر هاشم الشيخ لن يكتب له النجاح لأن جبهة النصرة ، وأيا كان مسمى الحركة التي تذوب فيها فإنها ستظل على لائحة الإرهاب مما يسرع في انفضاض بقية الفصائل عنها  .

 تقول داعش في أدبياتها إن الجولاني كان أحد قادتها الذي بعثه البغدادي لنصرة أهل الشام فانشق عنه وشكل ما سمي لاحقا " جبهة النصرة " أي أن البادئ بالإنشقاق هو الجولاني الذي أصدر شريط فيديو موجود على الأنترنت يعترف فيه بهذه الواقعة ، غير أنه وبعد كل هذه المعارك بين الطرفين ، فإنه من سابع المستحيلات أن يعود الجولاني ، إن بقي حيا ، إلى أحضان البغدادي ، وأتوقع أن يستمر في حروبه في انتظار أية تطورات قد  تقلب مخططات موسكو في أستانا وتعيد القضية السورية إلى نقطة الصفر ، أو يتم القضاء على هذا التنظيم ،  خاصة بعد إعلان ترامب اعتزامه إقامة مناطق آمنة في سوريا وإمهاله مساعديه لإعداد الخطة خلال تسعين يوما .

 وإذا كان قتال الفصائل المسلحة ضد جبهة النصرة مخططا له في  أنقرة وموسكو ، وبغض النظر هل توقف بعد حل فتح الشام لنفسها أم لا  ،  فإن ما لم يحسب حسابه الطرفان هو ما سيترتب على هذه المناطق الآمنة ، إذا استمر ترامب في مشروعه ، وتتعدد القراءات بين إعلان عن مناطق آمنة ، أو مناطق " أمنية " وهذه الأخيرة هي المحسومة ، وهو مشروع يضرب في الصميم المشروع الروسي في الهيمنة المطلقة على سوريا ، والمشروع التركي في تطهير شرق الفرات من حزب العمال السوري ، حيث تقول تسريبات رصدها ونشرها  موقع جي بي سي نيوز عن موقع استخباري إسرائيلي  أن ترامب سيجعل له منطقتين آمنيتين  : واحدة في الشمال لحماية حلفائه الأكراد ، وواحدة في الجنوب للتخلص من حزب الله وحماية إسرائيل من الحرس الثوري بمحاذاة الجولان وفي الداخل السوري مع الحدود مع الأردن ، بينما ستكون المنطقة الآمنية  الروسية هي في غرب الفرات إلى المتوسط ، في حين تنحصر المنطقة الآمنية  التركية في عمق 50  كيلو مترا جنوبا وتشمل مدينة الباب ، أي أن المنطقة الآمنية ستكون ثلاث مناطق في الحقيقة ، وستكون  وبالا على المشروع الإيراني في سوريا خاصة إذا كان صحيحا ما نشره الموقع الإستخباري عن اتفاق روسي - أمريكي لإخراج ميليشيات إيران والعراق وحزب الله من سوريا ، بطريقة تجعل الإيرانيين يخرجون من "المولد بلا حمص"  كما يقول المثل الشعبي  الشامي ، وهو مشروع   لا يصب في الصالح الأيراني الذي خطط منذ البداية للإستيلاء على سوريا وتشييعها من خلال تغيير سكانها وابتلاعها والوصول إلى المتوسط بواسطة عملاء في دمشق كما هو الوضع في العراق ، ليجيء مشروع المنطقة " الآمنة "  التي أعلنها ترامب مؤخرا غير واضح المعالم وأثار استغراب موسكو ، أما المناطق " الأمنية "  فهي متفق عليها كما قلنا ـ، وتعتبر طوق نجاة للإسرائيليين والسوريين :" الشعب والمعارضة "  وربما الأتراك بنسبة أقل وتسويغا لابتلاع الروس جزءا استراتيجيا بريا وبحريا من سوريا .

 هل سيصمد التشكيل الجديد الذي ابتدعته جبهة النصرة ؟ .

 نشك في ذلك ..

 وسؤال  آخر :

 هل سيستمر ترامب في خطته مع الروس والأتراك  ؟ ..

وسؤال ثالث : هل المناطق الأمنية هي تقسيم غير معلن لسوريا ؟؟ .

 الأيام القادمة هي وحدها الكفيلة بالإجابة عن هذه الأسئلة الكبيرة..  والخطيرة .

 (جي بي سي نيوز 29/1/2017)



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات