حدَث في غامبيا الصغيرة..!
مرّت سريعاً بين الأخبار قصة تخلص دولة غامبيا الأفريقية الصغيرة الشهر الماضي من حاكمها الذي قبض على السلطة 22 عاماً. وكان الرئيس الغامبي، يحيى جامع، الذي تولى السلطة في انقلاب أبيض في العام 1994، قد رفض القبول بنتائج الانتخابات الوطنية التي جرت في بلاده في كانون الأول (ديسمبر)، وخسرها لصالح منافسه، آدم بارو. وانسجاماً مع المعروف من غرابة أطوار جامع الملقب "قذافي غامبيا"، جاء الرفض بعد قبوله أولاً بالخسارة، وتهنئته الرئيس الجديد بالفوز، قبل أن يتراجع عن قراره بزعم حدوث تزوير في الانتخابات.
لا جديد في تشبث حُكام العالم الثالث بالسلطة ورفض الانتخابات أو تزويرها أو الانقلاب على نتائجها. لكن الجديد هو نوعية الدفعة التي تلقتها الممارسة الديمقراطية في غامبيا. فعلى إثر رفض الرئيس الخاسر التخلي عن السلطة للفائز، وجهت دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس" تهديداً لجامع باستعمال القوة ضده في حال تمسكه بموقفه. وفي الرد على هذه الضغوط، أعلن جامع حالة الطوارئ في البلاد يوم 14 كانون الثاني (يناير)، قبل يومين من موعد تولي خلفه مقاليد الحكم. لكن القادة الأفارقة واصلوا الضغط عليه. وأخيراً، و"بدعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، دخلت قوة قوامها 7.000 جندي من خمسة بلدان أفريقية إلى غامبيا لفرض تطبيق نتيجة الانتخابات الوطنية"، كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست".
وهكذا، أعلن جامع يوم 21 كانون الثاني (يناير)، تنحيه عن السلطة، بعد جهود الوساطة التي قادها الرئيسان، الغيني ألفا كوندي، والموريتاني محمد ولد عبدالعزيز. وقال جامع للتلفزيون الغامبي: "قررت اليوم بما يمليه علي ضميري، أن أترك قيادة هذه الأمة العظيمة، مع امتناني الفائق لجميع الغامبيين". وفي اليوم التالي، غادر غامبيا بالطائرة إلى منفاه في غينيا الاستوائية، بلا إراقة دماء.
علقت صحيفة "واشنطن بوست" على الحدث، فكتبت: "غامبيا بلد صغير، لكن أهمية التدخل كانت كبيرة. فقد أظهر أن الدول الأفريقية مستعدة للتصرف بقوة دعماً للديمقراطية، في حين يسعى القادة في بقية أنحاء الكوكب إلى ترسيخ أنفسهم في السلطة، وحيث يتراجع دعم القيم الديمقراطية في الغرب". ولا شك في أن تدخل الدول الأفريقية بهذه الطريقة فريد بأكثر من طريقة.
بالمقارنة، لم تكن للجامعة العربية، الهيئة الجامعة للعرب، أي آليات لدعم الديمقراطية في بلدانها لسبب واضح: أن مجموعة الأنظمة الأعضاء فيها هي أنظمة غير ديمقراطية ولا مصلحة لها في الديمقراطية. وبذلك، وإذا كانت هناك تدخلات عربية عسكرية أو غيرها عربية في بلدان عربية، فإنها لم تهدف يوماً إلى تطبيق الإرادات الشعبية، بقدر ما كانت لتثبيت نظام استبدادي أو لتصفية حسابات سياسية بطريقة تكون ضحيتها الشعوب ومقدرات البلدان.
وفي حال كانت التدخلات العسكرية في الدول العربية من هندسة وتنفيذ قوى دولية أجنبية، فإن الهدف لم يكن أيضاً فرض نتائج انتخابات ديمقراطية ولمصلحة الناس، وإنما إثارة الفوضى والانقسامات وإعادة البلدان وحضاراتها مئات السنين إلى الوراء، وإحكام الهيمنة عليها. وفي كل حالات التدخل المعروفة تقريباً، كانت النتائج كارثية لأنها لم تكن قائمة أبداً على حسن النية وإرادة الخير للبلد المستهدف ولأهله.
من الصعب بطبيعة الحال الزعم بأن الدول الأفريقية مثال للديمقراطية، وربما يجدر إجراء المزيد من البحث في دوافع التدخل بالطريقة الموصوفة في غامبيا. كما أن غامبيا بلد صغير له جيش بحجم رمزي، مما يجعل التدخل العسكري بقوات صغيرة نسبياً ممكناً من دون التسبب بخوض حرب حقيقية. لكن فكرة التدخل لتنصيب رئيس كسب انتخابات وطنية تحقيقاً لإرادة الشعب تبقى حدثاً يستحق الانتباه.
الأخبار السيئة في قصة خلع يحيى جامع، المعروف بغرابة أطواره والذي زعم اكتشافه علاجاً لمرض الإيدز بالأعشاب من بين أمور أخرى، هو أن الرئيس "استغل آخر أيامه بالبلاد قبل المغادرة إلى منفاه، لـ"سرقة" أموال ضخمة وممتلكات فارهة، بحسب ما كشف عنه ماي أحمد فاتي، أحد مستشاري الرئيس الجديد"، كما ذكرت الأنباء. وقال فاتي في مؤتمر صحفي، إن جامع سرق من خزائن البلاد وأخذ سيارات فاخرة على متن طائرات للشحن. وأكد فاتي أن الرئيس سرق أكثر من 11.4 مليون دولار، خلال أسبوعين فقط. وغادر الرئيس وهو يحمل مصحفاً بيده على سلم الطائرة.
الغد 2017-02-05