لماذا تختلف زيارة واشنطن عن سابقاتها؟
تختلف زيارة الملك الى واشنطن، عن كل الزيارات السابقة الى الولايات المتحدة، لاعتبارات مختلفة، حيث يمكن اعتبار هذه الزيارة الاكثر اهمية.
ابرز هذه الاعتبارات يتعلق بالمناخ الذي صنعته الادارة الاميركية الجديدة، قبيل انتخابها، وبعد تولي الرئاسة، فالمناخ كان ضاغطا في تعبيراته بخصوص الشرق الاوسط والعالم العربي والقضية الفلسطينية ومايتعلق بملف الارهاب، وهذه التعبيرات كانت صعبة ومتشجنة ازاء دول عربية مختلفة، ولم تكن تؤشر على مرحلة مريحة في العلاقات الدولية.
الاعتبار الثاني، يتعلق بالغموض بشأن المستقبل، في علاقات واشنطن، في العهد الجمهوري، وما يمكن ان تتطلبه من المنطقة، وهذا غموض كان كبيرا، وكان صعبا فك الالتباسات بشأن التوقعات، مهما كانت علاقات الدول، بما فيها الاردن، مع البيت الابيض، او الكونغرس بمجلسيه النواب والشيوخ، وبرغم وجود توقعات حول طبيعة العلاقات، الا ان كل شيء جديد كان محتملا.
الاعتبار الثالث، يرتبط بالتغيرات في المنطقة، وما يجري على صعيد العلاقة مع الاميركان والروس، وملف ايران، وما يجري في العراق وسوريا، وملف التشدد، واحتدام المواجهة بين معسكرات كثيرة، بما يؤشر على اعادة ترتيب اوراق المنطقة، والدول الناجية، عليها ان تستبصر مسبقا، ما الذي سيحدث بشأنها، على الاقل، من بوابة الذي سيجري في كل الاقليم من تغييرات، ستترك اثرا حادا على الكيانات السياسية؟!.
لهذه الاعتبارات الثلاثة، كانت زيارة الملك الاكثر اهمية، والمؤكد هنا، ان السياسة وصون مصالح الدول، لا تجري عبر افتراضات عاطفية، او شعارات، او توقعات غير دقيقة.
زيارة الملك الى الولايات المتحدة، جاءت بعد ايام من لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما ان ترتيب الزيارة للملك، كأول زعيم عربي ومسلم، يلتقي الرئيس الجديد، امر مهم جدا، اذ اظهر هذا الترتيب ان الاردن الاهم في المنطقة، وان الملك له مكانته في مؤسسة القرار الاميركي، وهي مؤسسة يمتد نفوذها وتأثيرها الى اوروبا وروسيا والعالم العربي، والملك الذي يعد زعيم الاقليم، وفقا لهذا الترتيب واستقباله من الرئيس الاميركي، يعبر عن نقطة قوة شديدة، بشأن الاردن، وحتى بشأن علاقات الاردن مع العرب، والنظرة التكتيكية والاستراتيجية اليه، والى تأثيره عالميا، خصوصا، مع وجود التباسات تخص مواقف الرئيس الاميركي ازاء المنطقة.
عبر الملك بكل شجاعة ازاء ادارة اميركية لها تصوراتها الصعبة، عن ثلاثة ملفات رئيسة، لا يمكن نكرانها، الاول القدس وعدم نقل السفارة الاميركية اليها، باعتبار ان النقل يهدد حل الدولتين، وينهي عملية السلام، ويمس عروبة المدينة، وهذا كلام قاله الملك بشكل واضح.
الثاني يتعلق بالدفاع عن المسلمين امام الادارة الاميركية باعتبارهم هم الضحايا الاكثر تضررا من الارهاب، وهذه فكرة مغايرة للفكرة التي تقدمهم باعتبارهم مصدره الاول، في العالم، مع اقرار الملك بضرورة وقوف المسلمين في وجه الارهاب.
الملف الثالث يتعلق بصون مصالح الاردن، وهي نقطة مهمة جدا، ولولا نفوذ الملك وعلاقاته الدولية، لتضرر الاردن كثيرا، لكنه نفوذ مسخر لاجل الاردن، واستقراره وسط مناخ سيئ جدا على الصعيد الاقليمي، وحافل بالتقلبات والتهديدات.
سواء عقد الملك قمة ثنائية في وقت قريب مع ترامب، في البيت الابيض، وفقا لبيان السفارة الاميركية في عمان، او لم يعقد، فإن الغايات تحققت من هذه الزيارة الاولى، فقد وجهت رسائل مهمة جدا، لكل العالم، من جهة، وللاقليم، وللعالم العربي، كما عبرت ضمنيا، عن حرص اميركي على استقرار الاردن، بما يعنيه الامر من دعم سياسي واقتصادي وعسكري.
بعيدا عن اي مبالغات، فإن دلالات الزيارة كثيرة، والمرجح هنا، ان المرحلة المقبلة حساسة ومهمة جدا، على عدة اصعدة، فلا يمكن ايضا، قراءة الزيارة، دون ربطها بما قد يستجد على صعيد ملفات المنطقة خلال العامين المقبلين، واعادة تموضع الاردن، بخصوص بعض الملفات، وهي اذاً زيارة استكشاف من جهة، وتعبر عن توازن شديد، وقدرة على الانفتاح على الروس والاميركان معا، اضافة الى ان مركز القرار في الاردن، سيكون قادرا الان، على قراءة المرحلة المقبلة، ضمن حد ممكن، بدلا من الغموض، الذي كان سائدا، هذا فوق ان الاردن يعبر عن كونه قادرا على تحسين علاقات عربية اميركية، من جهة، وصياغة مقاربات، تحسن من المزاج السياسي، بين المنطقة والولايات المتحدة، خصوصا، ان العلاقات مع واشنطن، تبقى الاكثر اهمية، ولا يمكن التقليل من اهميتها، تحت اي مبرر او عنوان او شعار.
الدستور 2017-02-04