قصة الأموات والأحياء

تم نشره السبت 04 شباط / فبراير 2017 12:34 صباحاً
قصة الأموات والأحياء
باسم الطويسي

كان ابن خلدون يردد قبل سبعة قرون: "اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء، بل أن الأحياء أموات". ونتذكر هذه المقولة البالغة التأثير ونحن نراجع ردود الفعل الشعبية والرسمية على قرارات الإدارة الأميركية الجديدة بمنع نحو 200 مليون عربي ومسلم من دخول الولايات المتحدة، وقرارات أخرى متوقعة بعضها سينال وضع القدس ونقل السفارة الأميركية إليها، والدفع بالمزيد من المستوطنات في الضفة الغربية، ما يشكل مقدمة لحسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية، مقابل نمو متسارع  للنزعة الشعبوية التي تتصاعد في الغرب والشرق على حد سواء، وهمها الأول التقوقع على الذات وحماية المصالح القومية.
وحدها المنطقة العربية غائبة عن التحولات التي يشهدها العالم. وهذا الغياب لا يشبه إلا الموت؛ ليس السياسي وحسب، بل هو الموت الحضاري بكل معانيه التاريخية. إذ علينا أن نلاحظ ونراجع عشرات المؤشرات التي استقرت خلال عقد مضى، أبرزها كيف أصبحت المنطقة العربية واحدة من أقل أقاليم العالم مساهمة في الناتج العالمي مقارنة بعدد السكان والمساحة؛ وهو الإقليم الذي توجد فيه دول ومجتمعات تعد الأسوأ في العالم وفق مؤشرات التنمية الإنسانية، والأسوأ في نوعية الحياة، والأسوأ في النزاهة والأكثر حفاوة بالفساد. وفي المجمل، ما يزال الإقليم العربي هو "الثقب الأسود" الأكبر في العالم في تقييد الحريات وانتشار الاستبداد السياسي. وأيضا في هذا الجزء من العالم، أسوأ الأماكن لحياة النساء والأطفال. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن أكبر كتلة من الشباب في العالم تعاني الأمرّين من الفقر والبطالة وغياب الأفق والأمل؛ تحيا وتموت في هذا الجزء من العالم.
أمام التيار النقدي العربي مهمة عاجلة وتاريخية، تكمن في الحل الثقافي. وتقتضي الالتفات إلى حقيقة أن العرب ما يزالون يقفون على مسافة بعيدة من مفهوم الحداثة في المجتمعات قبل المؤسسات والدول، وأنهم ينتظرون الثورة الموعودة منذ ستة قرون وربما أكثر. وهذا يعني ضرورة تكريس موقف ومنهج نقديين من كل تلك الأشكال المسبقة الجاهزة، وإثبات أنها ليست بدهية ولا مطلقة. ويعني وقف الثرثرة الصامتة حول المقابر،  ودحض الخيال الخرافي حول الذات والآخر أياً كان، والعثور على كلام نافع في الكلام الأبكم الهامس. إذ إن التاريـخ يُفهم ويفتح ويغلق بالأسئلة التي يثيرها، وليس بالأجوبة التي يقدمها. فقراءة التراث ليست لاستعادة الماضي، بل للبحث عن أدوات النقد فيه وتعظيم قيم الحداثة وجذورها؛ أي أن البحث عن جذر للحداثة يقلل من استناد حداثتك على أزمنة الآخرين، من أجل البحث عن شرعية في عالم تعصف به الرأسمالية الجديدة والقديمة، وتحاول أن توحده عنوة تحت مظلتها. الجذر الحداثي والمنهجية النقدية يعنيان التخلص من الحمولات الزائدة، وإراحة الموتى بإعلان موتهم الأبدي.
أقسى ما حدث للعرب المعاصرين أن حركتهم الكبرى قبل نحو ست سنوات قادتهم إلى المزيد من الردة واليمينية السلبية والموت. لذا لم يصدمنا كل هذا الصمت وهذا البرود التاريخي في الردود التي قدمتها هذه المجتمعات؛ سواء على الذبح الذي حل بها باسم الأديان والمعتقدات، أو على ما يفعله ترامب وغيره بها؟

الغد 2017-02-04



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات