المقاطعة والمسؤولية الوطنية!
جاء في الأثر النبوي الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا، لا تقاطعوا أي لا يقاطع بعضكم بعضا والتقاطع ضد التواصل، وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا وقيل أن المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس عامة أو خاصة، ولكن إذا وقع خلاف بين طرفين جاز لأحد الأطراف مقاطعة الطرف الآخر، كأحد أساليب الدفاع عن النفس بالوسائل التي يراها متاحة له بحسب قوته، ومن أقدم ما عرف من أساليب المقاطعة، مقاطعة قريش لبني هاشم في جميع التعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ومن أشهر حوادث المقاطعة في التاريخ الحديث ما فعله السيـاسي الهندي المهاتما غاندى وكانت ضد الاستعمار البريطاني حين حضّ المواطنين الهنود على صنع ملابسهم بأنفسهم بالاستعانة بالمغزل اليدوي وكان يقول كلمته المشهورة «كلوا مما تنتجون والبسوا مما تصنعون وقاطعوا بضائع العدو»، ومنها ما فعلته اليابان من مقاطعة للمنتجات الأمريكية، ورفض سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، البلد المنتصر، على مقدرات اليابان الاقتصادية، وتم تحجيم الاستيراد من الخارج وتشجيع الاستثمار والإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي الياباني ووصلت حدود هذه المقاطعة إلى مستوى جعل المنتج الياباني يفرض نفسـه عالميا حتى في الأسواق الأمريكية نفسها. منها أيضا ما وقع في عام 1945 وهو تاريخ بدء المقاطعة العربية لإسرائيل رسميا عندما اتخذت جامعة الدول العربية قرارات وتوصيات بضرورة المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل، واعتبرته عملا دفاعيا مشروعا وإحدى الوسائل التي يستخدمها العرب ضد الاعتداءات الواقعة عليهم من إسرائيل ووقاية للأمن القومي العربي.
ومن أشهر حوادث المقاطعة قيام ملك السعودية فيصل رحمه الله بالمقاطعة الاقتصادية، في أعقاب حرب 1967 وحرب 1973، فبعد يومين من نشوب الحرب الأولى، أعلن حظر البترول السعودي عن بريطانيا والولايات المتحدة، وعلى إثر نشوب حرب 1973 م تزعم حركة الحظر البترولي الذي شمل دول الخليج، فكان لهذا الحظر أثره في توجيه المعركة.
وفي النموذج الأمريكي قيام بعض الأمريكيين الداعمين لإسرائيل بإنشاء محطات بنزين لا تبيع النفط العربي والتي تحمل عنوان (نفط خال من الإرهاب) وعلى الصعيد الرسمي فإن الولايات المتحدة الأمريكية تصدر قرارات من تلقاء نفسها تمنع فيها الشركات والمؤسسات الأمريكية المختلفة من التعامل مع مجموعة من الدول التي تعتبرها مارقة أو دولا تدعم أو ترعى الإرهاب، ومعظمها دول عربية.
على الصعيد الشعبي يلجأ الناس عادة لمقاطعة سلع وخدمات للتأثير في أسعارها، وقد عرفتها الأمم المتحدة في ميثاقها المادة (41 ) ونصها: «وقف العلاقات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً» ويعرف الاقتصاديون المقاطعة بأنها أسلوب ومجموعة من الممارسات التي تتخذها الجماعة أو البلد، في عدم التعامل اقتصادياً مع طرف ما يقصد بذلك الضرر به لحمله على تغيير موقف أو سياسة تجاه الجماعة أو البلد، فهي بالتالي فعل مألوف في التاريخ البشري، وفي حالتنا الأردنية نشهد بعض حركات المقاطعة الشعبية لسلع وخدمات، نرجو بإخلاص أن تلتزم بالضوابط الشرعية لمثل هذا السلوك، وأن لا تكون سببا في تقويض أمننا الاجتماعي، أو إحداث مزيد من المتاعب لبلد يعيش في بؤرة ملتهبة من الصراعات، وأن يتعامل جميع الأطراف مع هذه الظاهرة بحس عال من المسؤولية لتجنيب هذا الوطن كل ما من شأنه تعكير صفو علاقة الناس بعضها ببعض!
الدستور 2017-02-09