من دافوس إلى البحر الميت
كما فشل الاقتصاديون في التنبؤ بالأزمة المالية والاقتصادية العالمية ، كذلك فشل السياسيون والمنظرون في التنبؤ بسقوط العولمة وعودة القومية وصعود الشعبوية.
المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في دافوس-سويسرا في الشهر الماضي قد يكون نهاية عهد ، فقد حاول المؤتمرون للمرة الأخيرة أن يتظاهروا بأن العولمة بخير ، وأن من مصلحة العالم أن يكون قرية واحدة لا تفصلها حدود ، وإن العولمة مفيدة للجميع.
الحقيقة أن العولمة أدت إلى اتساع الشقة بين الأغنياء والفقراء ، وأعادت توزيع الأدوار فأعطت الأقوياء سوقاً أكبر ، وأعطت الفقراء فرصة التحول إلى عمال بأجور متدنية.
وحتى هذا المكسب البسيط أي العمالة الرخيصة يراد سحبه الآن لحماية فرص العمل في الدول الغنية ، والحيلولة دون هجرتها إلى العالم الثالث.
دافوس حاول تجاهل حقيقة أن العالم يمر الآن في مرحلة انتقال تاريخية ، لدرجة أن البعض يقول أن القرن الحادي والعشرين بدأ الآن أي عند تنصيب ترامب رئيساً لأقوى دولة في العالم ، فهذه بداية عصر جديد للقومية والحماية والشعبوية والتطرف.
لا يعترف المنتدون في دافوس بأن العالم تغير ، ليس بقرارهم ولا وفق مبادئهم. ولم يدركوا أن العالم لم يعد يشير إليهم بالبنان بل بأصبع آخر!.
لم تستطع مدرسة دافوس أن تمسح الحدود الدولية ، ولا أن توزع منافع العولمة بعدالة ، وها هو اليمين المتطرف الشعبوي ينتزع السلطة اليوم في أميركا وغداً في أوروبا ليقود العالم بالاتجاه المعاكس.
عندما كان جماعة دافوس يتحدثون عن العالم كما كان ، كان الرئيس الأميركي الجديد يغلق الحدود ويقيم الجدران ويهدد بإجراءات جمركية ضد الصين والمكسيك ، مما يعني حرباً تجارية عالمية يتم فيها سحق الضعفاء ، ويعلن فيها عن نهاية النظام التجاري العالمي الذي تقوده منظمة التجارة العالمية ، ومن يدري فقد يكون التاريخ قد تجاوز كل المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، اللذين يتعاملان مع الاقتصاد من وجهة نظر عالمية. ماذا عن مجلس الأمن والامم المتحدة وباقي المظاهر الدولية؟.
مؤتمر دافوس لا يستطيع أن يغير العالم أو أن يوقف تسونامي التغيير ، فقد أصبح مجرد مناسبة سنوية يلتقي ويتفاعل فيها ويعقد الصفقات قادة الدول والشركات العابرة للحدود.
عندما ينعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت قريباً فلن يتنطح لقضايا العالم ، بل سيركز على القضايا الإقليمية في الشرق الأوسط ، سياسياً واقتصادياً.
الراي 2017-02-10