اتركوا لهم فرصة للتنفيس عن الناس..
كان يمكن او - كان يجب من باب الفرائض لا الامنيات – ان ينهض مجلس النواب بدوره ومهمته الأساسية، وهي الرقابة على مقررات الحكومة ومحاسبتها، ليس فقط لان ذلك واجبه الدستوري، وانما لان مجتمعنا الذي يعاني من مزاج مضطرب يحتاج الى جهة تدافع عنه، وتتبنى قضاياه، او أضعف الايمان الى نواب يمثلونه حقا ويعبرون عن اوجاعه، ويناددون الحكومة حتى ولو بالكلام.
لا اريد ان اذهب في الامنيات بعيداً لكي أطالب النواب “بالتصدي” للقرارات الاقتصادية او ابطال مفعولها، فنحن نعرف أوضاع بلدنا، ولكنني تمنيت لو خاض النواب معركة المواطن الذي انتخبهم للتخفيف من وطأتها، واسماع أصواتهم للمسؤولين الذين اجتهدوا بإصدارها لكي ينتزعوا ثقة الناس بالمجلس ويعيدوا اليه اعتباره.
ليس هذا فقط وانما لكي يحس المجتمع ان هنالك مجلساً نيابياً ،وأن هؤلاء الذين يجلسون تحت قبته جزء منهم، ولو فعلوا ذلك لمجرد “التنفيس” ، او كانوا مجرد حائط ضدً، لأسسوا لهذا المجلس الذي مازال في بداية عمره سمعة تليق به وبهم ايضاً.
لا يجوز ابداً ان نسيء للمجلس او ان نجرح هيبته، فهو من أهم اركان الدولة ومؤسساتها، والحفاظ عليه ليس مسؤولية المجتمع فقط وانما مسؤولية النواب الذين يتربعون فوق كراسيه، ومن المؤكد ان فيهم من يملأ بجداره مقعده، ويستحق الاحترام والتقدير، لكن الصحيح ان “الاستثناء” لا حكم عليه مع وجود “القاعدة” العامة، هذه التي تشير بوضوح الى ان الأداء النيابي العام ما زال دون المستوى المطلوب.
ربما يقال ان الحكومة هي التي افشلت جلسة “المراقبة” التي خصصت لمناقشة قرارات الضرائب والأسعار، لكن المؤكد ان النواب –بعضهم إن شئت-هم الذين “دفنوها” قبل ان تبدأ وتولد، ولو كانوا حريصين على مناقشة الحكومة لأعدوا للجلسة ما يلزمها، وقدموا قبل ذلك في حواراتهم مع الحكومة اقتراحاتهم وبدائلهم، لكن ذلك للأسف لم يحدث، حيث تبين ان ما جرى بين الطرفين كان مجرد “طروحات” لا تقدم ولا تؤخر، بل ان بعض من حضرها من النواب كان حكومياً أكثر من الحكومة نفسها.
لا يفارقني الإحساس بالمرارة حين انتقد إخواننا النواب، خاصة حين ادقق في أحوال مجتمعنا ووجوه الناس فيه، وابحث عن شخصيات تمثله وتنقل اوجاع مواطنيه فلا أجد الاّ قلة قليلة تحاول ان تقفز من فوق “الإشارات” الحمراء، لماذا حدث ذلك أيها السادة النواب وانتم تدركون تماماً ان ترك الناس بلا “سند” يتكئون عليه او ضمير يتحدث باسمهم، او ملجأ يشعرون بالأمان اذا هربوا اليه، خطأ كبير، لا سيما اذا عصفت بنا لا سمح الله اي ازمة، ولم نجد من الوسائط الاجتماعية والسياسية التي يفترض انكم في مقدمتها من يستوعب ذلك ومن يمارس دور “الاطفائي” لتهدئة خواطر الناس وتطمينهم على حقوقهم والتخفيف من هواجسهم على مستقبلهم.
رجاءً، اتركوا لمجلس النواب فرصة، خاصة في هذا الوقت الحرج، لكي يعبر عن ضميره الذي هو ضمير المجتمع، ولكي يمارس دوره – حتى لو كان تمثيلياً- لإقناع الناس بأن بلدهم بخير، وان لديهم مؤسسات تراقب وتناور وتدافع عن ما تبقى من حقوقهم، اتركوا أصوات النواب ترتفع دن ان يحاسبوا بموجب الأنظمة التي لا نسمع عنها الا في مواسم انتقاد الحكومات، نعرف انهم – لن يغيروا الصورة ولن يبطلوا ما تقرر، ولكنهم يمكن ان يساهموا في إطفاء غضب الناس، او في تحسين مزاجهم، والاهم في استعادة الثقة التي تراجعت بينهم وبين من انتخبوهم، وبينهم وبين الدولة التي تهمنا جميعا.
الدستور 2017-02-16