نحترم اضطراراتكم فاحترموا خياراتنا.
ارجو ان لا يزاود احد على احد , فالاردنيون كلهم بلا استثناء ينتمون لبلدهم ومستعدون للتضحية من اجله بكل شئ , الاردنيون الذين اقصدهم هنا هم الذين لم تتلوث ايديهم بالفساد , ولم يتصارعوا على الامتيازات , ولم يشربوا الا من ماء الاردن الرقراق .
يمكن للبعض ان يصنف الاردنيين كما يشاء , ووفق اية مسطرة يبتدعها , لكن النتيجة ان من يدافع عن الحكومات او ينتقدها , من يبصم بالعشرة ومن يعارض بالعشرة , من يخرج الى الشارع محتجا ومن يجلس في بيته , كلهم ابناء البلد وكباره ايضا , ودمهم رخيص من اجله اذا لزم الامر .
افهم ان يكون المسؤولون محكومين باضطرارات تفرضها عليهم اجتهادات او ظروف معنية , او ان يضحوا بشعبيتهم مقابل تمرير قرارات يعتقدون انها من مصلحة البلد , لا بأس , لكن ما لا افهمه هو ان لا يتركوا للناس ان يمارسوا خياراتهم ، واقلها الحرية في التعبير عن انفسهم , واشهار هواجسهم او مخاوفهم من الحاضر والقادم .
نحترم اضطراراتكم فاحترموا خياراتنا , فهي كلها تصب في اتجاه خدمة البلد , وتنسجم مع قيم الدولة ومصالحها , واذا كان المطلوب ان ندافع عن انجازاتكم فلنذهب جميعا الى عنوان “ المكاشفة “ بدل ان ننصب لبعضنا المصائد , او ان ندخل الى ميادين “ الشيطنة “ المتبادلة التي لن يربح في مبارياتها احد.
يعتب علينا بعض المسؤولين لأننا ننتقدهم، يقولون: أنتم تفتحون أعينكم على السلبيات وتغمضونها عن الانجازات، تسنوّن اقلامكم لتشويه الصورة وتعطيل المسيرة بدل أن توجهونها “لتحسين” الواقع وتصحيح المسار، أنتم تدغدغون عواطف الناس وتبحثون عن “الشعبية” وتبالغون في التشخيص والوصف، بدل أن تهدئوا الخواطر وتطمئنوا الصدور وتنشروا الأمل.
نفهم العتب – وحتى الغضب ايضاَ – لكننا بصراحة نبحث عن انجازات ندافع عنها فلا نجد، نتمنى أن يتوافق الرسمي مع الشعبي فتصدمنا فجوة الثقة بينهما، نفتش عن مقررات مقنعة لنتبناها فنفاجأ بعكسها تماماً.
في ميزان الوطنية الصحيحة لا فرق بين من يعارض من اجل الوطن وبين من يشارك لاجله ايضاً، كما انه لا فرق بين الاردني الذي كان هنا او الاخر الذي جاء من هنالك مادام ان للاثنين عنواناً واحداً هو “خدمة الاردن”،وما دام انهما يتشاركان فيه بكل شيء،حلواً كان ام مرّاً، لا يهمّ هنا المواقف السياسية او الانتماءات الحزيبية،او ما ترتكبه بعض الحكومات من اخطاء في التوزيع والترقيع،او في الاقصاء والتقريب، او في الابعاد والاسترخاء، وانما المهم ان يكون هاجس الاردني دائما وقبلته ايضاً،هو الوطن، هذا الذي هو اكبر من الحكومات والجماعات والاشخاص، ومن المواقع والمكاسب ايضاً.
ثمة من أوهمنا بأن “الوطني” الفصيح والنظيف والصالح هو من “يعتكف” في بيته، او في مقاطعته ،او يتحرر من تهمة “التعامل” مع مؤسسات بلده، اما الاخرون فهم “عملاء” او موظفون او مشكوك في وطنيتهم، هؤلاء اخطأوا ثلاث مرات: مرّة حين حرموا بلدنا من كفاءات ابنائه المخلصين وتركوه “مسرحا” لموظفي ليلة القدر، ومرّة اخرى حين اختزلوا “الوطنية” في دائرة المزايدين او المتفرجين، ووضعوها في سجن نصّبوا انفسهم حراساً عليه ولم يسمحوا لها بالخروج لكي تتنفس وترى النور..ومرّة ثالثة حيث تصوروا بأنهم وحدهم من يمنح “صكوك” الوطنية،ومن يزكي اصحابها،ويحرم الاخرين منها،وكل ذلك وفق اعتبارات مغشوشة، لها علاقة بالمكاسب لا بالمبادىء،وبالعقوق للبلد الذي بادرهم التحية ومدّ لهم يداً فلم يردوا عليه التحية بمثلها، وآثروا ان لا يصافحوه بلا اي عذر او سبب.
يخطئ من يتصور بان “إقصاء” البعض أو تخويف الناس منهم مدخل “للتوافق” او “مخرج” من الازمة. وبأن وضع “الحجر الوطني” وظيفة طرف دون آخر، أو مهمة بديل على حساب أصيل، ويخطئ ايضا من يظن بان “انقسام” المجتمع دليل على العافية والنجاح، وبيع “الوهم” طريق الى إعادة الامل، وشراء الوقت سبيل للذهاب الى صيدلية الحل.
باختصار ، دعونا نضع “حجرنا الوطني” المقدس على ثوب واحد، ونتوافق على حمله معا، وحينئذ ستدركون كم هي “سهلة” أزماتنا، وكم نحن قادرون على تجاوزها في نصف ساعة..هذا اذا سلمت النوايا وصحت العزائم.
الدستور 2017-03-01