هكذا تحدث ترامب
عندما ألقى الرئيس ترامب خطابه الأول أمام الكونغرس، تذكرت الفيلم الساخر الذي انتجه وأخرجه قبل عقدين من الزمن الناشط السياسي الأميركي المخرج مايكل مور بعنوان « كنديان بيكون « والذي يؤكد فيه المخرج مور أن كل رئيس أميركي يبحث عن عدو جديد ليشن حربه الخاصة، واذا انتهت قائمة الأعداء لا بد من كندا حتى لو كانت جارة صديقة ومسالمة .
وعد الرئيس الأميركي أعضاء الكونغرس أنه ملتزم بتنفيذ برنامجه الانتخابي وفي المقدمة بناء الجدار على الحدود الجنوبية مع المكسيك، وأن أميركا التي انفقت 6 تريليونات من الدولارات في الشرق الأوسط تبحث عن أصدقاء وحلفاء من جديد، وهذا يعني أن التحالفات قد تتغير، وهي مستعدة لقيادة هذه التحالفات، من أجل محاربة تنظيم داعش والقضاء على الارهاب، مع ضرورة التذكير بأن واشنطن خصصت أكبر ميزانية عسكرية في تاريخها.
في الوقت نفسه ينوي الرئيس ترامب تخفيض المساعدات الخارجية، بحجة أن الانفاق في الخارج كان على حساب البنية التحتية السيئة في الولايات المتحدة. ولم يفت على الرئيس ترامب أن يعيد تأكيده الالتزام التام بمساعدة ودعم اسرائيل، وفرض عقوبات على ايران، والتعاون مع الدول الاسلامية في الحرب على الأرهاب، والاعلان عن قراره بتفعيل الحظر على الهجرة من الدول العربية والاسلامية المدرجة في القائمة.
وقبل اعتلاء الرئيس ترامب المنصة لمخاطبة اعضاء الكونغرس والشعب الأميركي بقليل، استخدمت روسيا والصين حق النقض ( الفيتو ) ضد مشروع قرار أميركي اوروبي لفرض عقوبات على سوريا، في أول مواجهة بعهد ترامب.
والثابت أن الولايات المتحدة تريد الدخول تدريجيا الى الشمال السوري عبر بوابة الفصائل الكردية التي استمرت واشنطن بتزويدها بالأسلحة المتطورة، وكان الصفقة الأخيرة تشمل عددا من المدرعات الحديثة، بهدف فرض منطقة آمنة ليس للسكان والمهجرين فحسب، بل للمنظمات المسلحة المتطرفة التي تدعمها واشنطن، على غرار المنطقة المشابهة التي تسعى انقرة الى اقتطاعها من الأراضي السورية، مع الأخذ بالاعتبار تقاطع المصالح لأن الفصائل التي تدعمها اميركا هي في حالة حرب مع تركيا، التي ترقص حكومتها سياسيا على الحبلين بين التحالف مع روسيا، والتودد والزحف نحو اميركا مرة اخرى، دون أن تدري أن» زمن أول حوّل «.
واللافت في المشهد أن الرئيس الأميركي الجديد لم يحدد طريقه بعد الى الشرق الأوسط ، الا أنه ما زال يبحث عن حربه الخاصة، وما نخشاه أن يتم جره الى ما يشبه الغزو للشمال السوري لمشاركة أكبر في الصراع داخل سوريا بهدف التقسيم، أو الفدرالية، تحت عنوان محاربة داعش، خصوصا بعد تحقيق أضخم ميزانية عسكرية في تاريخ اميركا، وهو ما اسعد مصانع الأسلحة الأميركية، خصوصا بعد التسريبات حول عدد الطائرات والبوارج التي ينوي ضمها الرئيس الجديد الى القوات البحرية والجوية الأميركية، اضافة الى أن الشرق الأوسط هو سوقها الأوسع.
اما الجانب الآخر من المشهد، هو التصعيد ضد الخطر الايراني، حيث تحاول اسرائيل دفع الولايات المتحدة لمواجهة عسكرية مع ايران بحجة التجارب الصاروخية أو وجود المفاعلات النووية، بزعم انها تشكل خطرا على امن ووجود اسرائيل. ولكن رغم كل ذلك ربما حسابات الحقل الترامبي قد لا تتطابق مع حسابات البيدر الشرق اوسطي، لأن الحروب التي سيخوضها ترامب لها أرقامها في حساباته كرجل اعمال قبل ان يصبح رئيس أكبر دولة، فهو يبحث عن مقدار الربح والخسارة والجدوى في كل خطوة، وبالتالي يسأل عن مصدر تمويل هذه الحروب، حتى بالنسبة لتعاونه مع «حلف الناتو» فهو يشترط أن يقوم كل طرف بتسديد التزاماته المالية، لذلك على كل من يطلب عون ومساعدة الأدارة الأميركية الجديدة أن يمد يده الى جيبه ويعد قروشه.
الراي 2017-03-02