سلة دي مستورا ومنصات المعارضة
الصراع في سوريا وعليها خلق مصطلحات سياسية غير مسبوقة ، في مقدمتها تصريحات المبعوث الدولي دي مستورا الذي يتحدث عن «سلال الحل « ، فهو يحمل سلته ويتجول بين الوفود عله يحصد نجاحا نسبيا في جنيف. كذلك المعارضة تتحدث عن منصات عديدة بمرجعيات خارجية وفي مقدمتها منصة اسطنبول ومنصة الرياض ومنصة موسكو ، دون التفكير بالتواجد خلف منصة واحدة تكون هي المنصة الواحدة الموحدة ، وأعني المنصة السورية !!
هناك حقيقة ثابتة متفق حولها ، وهي التي عبر عنها ( أنوشروان ) بعبارة واحدة نقلها عن ارسطو تقول :» العالم بستان سياجه الدولة « ، وهناك حقيقة هي ان الدولة في سوريا باقية ، وأن لا خوف عليها من تواجد المنظمات المسلحة المتطرفة في الأطراف والثغور، حسب نظرية العالم المؤرخ ابن خلدون الذي قال قبل مئات السنين ( القرن الرابع عشر ) :» اذا غلب على الدولة من مركزها فلا ينفعها بقاء الأطراف والنطاق فتضمحل لوقتها ، لأن المركز كالقلب تنبعث منه الروح ، فاذا غلب القلب انهزم جميع الأطراف « ، وقلب سوريا ما زال ينبض في دمشق.
نعم ، في سوريا ما يؤكد أن الدولة باقية ، ونظرية الفيلسوف هيغل في الدولة تؤكد أن « الدولة هي التي تمثل الكل ، ويجب أن تتقدم نحو الحالة الأكثر كمالا ، وهي الدولة المدنية التي هي روح العالم الجديد ، وعلى الفرد ان يحترم القانون ويحافظ على استقلال الدولة وسيادتها «.
وفي المسألة السورية نرى أن الأطراف ما زالت في حالة فوضى في غياب الدولة ، فعندما ننظر الى الشمال نرى ما يشبه السيرك العسكري ترفرف فوقه تشكيلة من الأعلام والرايات بينها الأبيض والأصفر والموشح ، وفيها الأسود والأخضر والأحمر، يرفعها ويحرسها مسلحون من جنسيات متعددة ، وكل فصيل تابع لدولة اقليمية أو دولية وله أجندته الخاصة حتى أصبحت الأمور أكثر تعقيدا.
هذا المشهد غير مسبوق في تاريخ المنطقة ، وان دل على شيء فيدل على أن الحرب كونية تدور رحاها فوق الأرض السورية ، تحت عناوين وشعارات واهداف ومقاصد ومصالح مختلفة ومتعددة ، ولكن في النهاية كلها تصب في مشروع واحد وهو تقسيم البلاد على قاعدة عرقية ومذهبية لأسباب سياسية جغرافية تتعلق بالصراع العربي الأسرائيلي وفرض تسوية ، أو تصفية قضية الشعب الفلسطيني بعيدا عن حل الدولتين.
المشهد واضح تماما والقتلة واضحون ، ولا نحتاج الى عرّاف اليمامة رباح بن عجلة أو عرّاف نجد الأبلق الأسدي كي يكشفا لنا حقيقة وأهداف هذه الحروب العربية المتحركة المتجولة منذ هبوب رياح « الربيع العربي» التي حملت في طياتها وتفاصيلها مشروع التدمير الذاتي العربي.
ولكن حدث ما حدث ، وحصل الأنهيار الكبير ، ولم يتمكن احد من وقف التدهور الذي لم يصل الى القاع بعد ، ولكن لا خوف لأن قلب الأمة ما زال ينبض وهو الغالب في النهاية ، كما أن الحل الحاسم يحتاج الى ما هو اكثر وابعد من الحسم العسكري ، فهو بحاجة الى قرارات جريئة تقود الى تحقيق وتنفيذ حزمة من الأصلاحات السياسية والأقتصادية والأجتماعية والأدارية ، وقبول مشاركة الآخر في صياغة المستقبل ، وتوسيع هامش الحريات العامة وفي مقدمتها حرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الأنسان وحق المواطن بحياة كريمة.
هذا هو البرنامج الأصلاحي الموازي للحسم العسكري ، وهو الذي يحسم المعركة ، وينهي دور كل من يرعى الأرهاب ويمول ويسلح التنظيمات المتطرفة ، وليس سلة دي مستورا والمنصات متعددة الجنسيات ومرجعياتها الخارجية ، وهنا استعين ، وللمرة الثانية ، بقول الفيلسوف العسكري والحكيم الصيني سون تزو الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد وهو مؤلف كتاب « فن الحرب «: « الأنتصار في المعارك ليس هو النجاح الكامل ، فالنجاح هو أن تكسر مقاومة عدوك دون قتال».
الراي 2017-03-06