باسـل الأعـرج إذ يرفـع رايـة المقاومـة
ليلة الأحد الإثنين؛ كان المثقف المجاهد، والناشط الرائع باسل الأعرج على موعد مع الشهادة، ليختم مسيرة من النضال خاضها بكل وسيلة ممكنة ضد الاحتلال، بخاصة خلال انتفاضة القدس التي يشعر بعض المهزومين بغصة حين نسميها انتفاضة، ويصرون على مصطلح هبّة، بل إنهم تجاوزوا ذلك أيضا، معتبرين أنهم نجحوا في حصارها ولجمها، كي يواصلوا مسيرتهم في تكريس سلطة تحت عباءة الاحتلال، يستمتعون بمكاسبها على مختلف الأصعدة، ومن ضمنها التمتع ببطاقات الفي آي بي التي يمنحها لهم الغزاة.
في ذات الساعات التي كان باسل الأعرج يعلن بدمه الإصرار على نهج المقاومة والجهاد، وذلك عبر رفض تسليم نفسه، والإصرار على المقاومة بما تيسر لديه من رصاص حتى نفاذ ذخيرته، كان الغزاة يعتقلون من بيت لحم نائبين في المجلس التشريعي عن حماس، وقياديا آخر في ذات المدينة.
كل ذلك حدث في مناطق (أ) بحسب تصنيفات أوسلو العظيمة، والتي لم تعد قائمة عمليا منذ عملية السور الواقي، ربيع العام 2002. قبل تلك العملية أو الاجتياح بتعبير أدق؛ كانت قوات الاحتلال لا تدخل مناطق (أ) التي تنحصر الولاية الأمنية عليها لأجهزة السلطة، فيما كانت تعيث فسادا فيما تبقى.
مع السلطة الجديدة التي ورثت عرفات، صار الاحتلال الذي كان “ديلوكس” بحسب تعبير المحتلين، “ديلوكس” وخمس نجوم في آن، إذ يدخل الغزاة ويخرجون دون أن يمسهم سوء من قبل الأجهزة التي يُحرّم عليها استخدام الرصاص .
يدخل الغزاة فيعتقلون ويقتلون ثم يخرجون، وإذا حدث أن تاه أحدهم أو أحد رفاقهم المستوطنين في مناطق (أ)، تقوم السلطة العتيدة بإعادته معززا مكرما إلى أهله!!
نعود إلى البطل المثقف باسل الأعرج، ونذكّر بأنه اعتقل لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية قبل عام تقريبا، بعدما عثرت عليه مع عدد من رفاقه المقاومين في جبال قرية عارورة، حيث وجهت لهم تهمة التخطيط لعملية ضد الاحتلال، وقد تعرضوا جميعا لتحقيق قاسٍ، وتعذيب شديد خلال اعتقالهم الذي استمر مدة 5 أشهر في سجون السلطة، فيما تم الإفراج عنهم عقب إضرابهم الجماعي عن الطعام.
بعد ذلك اعتقل رفاق باسل جميعا من قبل الاحتلال، ودائما بفضل التعاون الأمني، والعيون الساقطة التي تتربص بالمقاومين، لكن باسل بقي مطاردا إلى أن رصدته العيون الساقطة بعودته إلى بيته، فكان موعده مع الشهادة.
يوميا تقوم أجهزة السلطة باعتقال الشرفاء، وأكثرهم من الأسرى المحررين وطلبة الجامعات، فيما تبذل كل ما في وسعها على كل صعيد من أجل منع المقاومة ضد الاحتلال، وتحصل تبعا لذلك على شهادات حسن سلوك من الغزاة.
يوميا يخطب قادة السلطة ضد ممارسات الاحتلال، ويوميا يشتكون من استخفافه بكل المواثيق الدولية، لكن شيئا لا يتغير. والمصيبة أن الغزاة لا يكتفون بالجهد الحثيث الذي تبذله السلطة لمنع المقاومة، بل يدخلون يوميا ويعتقلون المؤمنين ببرنامج المقاومة، حتى من لا يشارك منهم في أي عمل مسلح، وكل ذلك لأنهم لا يكتفون بجهود السلطة. وبذلك يتكدس الأبطال في سجون العدو على نحو ما كان أيام انتفاضة الأقصى.
بدمه الزكي كتب باسل الأعرج شهادة الإصرار على نهج المقاومة، ووثيقة التأكيد على استمرار انتفاضة القدس التي تصعد وتهبط، لكنها تواصل مسيرتها بمطاردة العدو وبذل الشهداء. وبدمه أيضا، كتب وثيقة الإدانة للتعاون الأمني مع العدو، وصولا إلى تجريمه، لكن من أدمنوا السير في ركب العدو، والفرار من المقاومة واستحقاقاتها لن يغيروا نهجهم، حتى ينقلب الشعب في وجوههم، لأن كل ممارسات العدو القمعية، إلى جانب استخفافه بهم لم يحرّك فيهم النخوة مع الأسف الشديد. والأسوأ، بل الذي يدمي القلب، أن تجد شبانا يحبون فلسطين ويهتفون لها، لكن القبلية الحزبية تحملهم على الدفاع عن كل ذلك البؤس.
الدستور 2017-03-08