نحن وقضية المرأة والتطرف..
امتلأ مشهدنا البصري في السنوات الأخيرة بصور جديدة مريعة: ما يُسمين "نساء داعش" المتسربلات بالسواد والقابضات على الكلاشينات. والقصص المصاحبة لهذه الصور لا تقل عنها تحريضاً لمختلف العواطف المتعارضة. إنك –إذا لم تكن متعاطفاً مع التطرف- ستضع هؤلاء النساء قطعاً في معسكر العدو الوحشي الذي تمثله فكرة "داعش" وأشباهه. لكنك تقرأ التفاصيل، فترى كَم هنَّ هؤلاء النساء ضحايا أيضاً، ومتآمرات على ذواتهن –بلا وعي أو بوعي مشوه- قبل تآمرهن على قضية نظيراتهن وعلى الإنسانية كلها.
كانت صور هؤلاء "الجهاديات" هي التي اعتقلت ذهني أمس، في ذكرى يوم المرأة العالمي، وطردت كل التصورات الإيجابية الأخرى عن الحراك الطويل –تقدماً ونكوصاً- في قضية المرأة. ويختص هذا التفصيل المقلق، للأسف، بثقافتنا ومناطقنا نحن، ويعرض درجة من النكوص الذي لا يُدانى في كل فكرة تحرر المرأة على المستوى العالمي. وهو يخلق بشكل أساسي فصاماً عاطفياً بين الشعور بالتعاطف مع النساء، كطرف مقهور تاريخياً، وبين هذا الخوف من المرأة ككيان متشدد مسلّح وخطر مستعد للقتل بلا تردد.
مثلما هناك "أبو المهاجر" و"أبو البراء" و"أبو أيوب"، وما شابه من الكنى المختلقة لادعاء التماهي مع الإسلام التاريخي، هناك أيضاً "أم المقداد العراقية" و"أم مُهاجر التونسية" و"أم حارثة البريطانية" و"أخت جليبيب السعودية". وتشتغل هؤلاء النساء بإغواء زميلاتهن للقدوم إلى "أرض الخلافة" على اعتبار أنها جنة النساء، وموطن العدالة والكرامة الإنسانية. وتشارك الدعائيات من هؤلاء النساء في بث أفلام قطع الرؤوس والجلد والرجم وبقية فظائع التنظيم الإرهابي على وسائل التواصل الاجتماعي.
الهيكل التشغيلي الذي يجمع هؤلاء الداعشيات في سورية، هو كتيبة "الخنساء" الأمنية التي تعمل في الرقة. ومهمة الكتيبة هي قيام النساء بمراقبة ومعاقبة بنات جنسهن على المخالفات. وعلى سبيل المثال، سيكفي الحكم بأن ملابس امرأة –حتى لو كانت محجبة- أضيق من اللازم، أو قماشها شفاف أكثر من اللازم، حتى تقوم شرطيات "الخنساء" باعتقالها وسجنها وجَلدها. وبالإضافة إلى هذه المهمات الأمنية، تعمل هؤلاء النساء كسرايا وجوارٍ "زوجات" للمقاتلين. وهناك عشرات القصص عن المراهقات الصغيرات اللواتي يهربن إلى سورية من أجل الزواج من أعضاء التنظيم، أو يسعين إلى ما يُدعى "جهاد النكاح".
وفق أي معيار، يصاب المرء بالغثيان وهو يحاول تحليل التشوهات النفسية الهائلة التي تعاني منها هؤلاء النساء والفتيات. ويكفي تصور رحلة مراهقة صغيرة من مدينة أوروبية، بالتحايل على الأمن وقطع البلدان، لتقدم نفسها أخيراً لوحوش حقيقيين مثل الدواعش وغيرهم من المتشددين. والكل يعرف نظرة هؤلاء المشوهة والفوقية إلى النساء، باعتبارهن موضوعات للمتعة والخدمة والإنجاب والطاعة. بل إن أكبر فكرة دعائية للتجنيد في هذه المنظمات هي وعد الرجال بممارسة الجنس بلا حدود مع السبايا و"جهاديات النكاح" في الدنيا، و"الحوريات" في الآخرة. وعلى أساس هذا الوعد في المقدمة، يتقاطر المقاتلون ليقطعوا الرؤوس ويفجروا الأسواق، ويرتكبوا الفظائع.
ليست هذه صورة مألوفة عن النساء -عندنا أو في العالم؛ أعني مشاهدة نساء بهذا العدد الكبير كجزء من عصابة إجرامية إرهابية دولية. وليس من السهل استيعاب أن تتطوع النساء بهذا الإقبال من أجل التآمر على قضيتهن وإنسانيتهن، مع إيمان عميق مضلل بأنهن يناضلن من أجل الحرية. وعند تأمل الحالات من الخارج، غالباً ما تكون دوافعهن هي استلاب الحرية، ومواجهة عوامل ضغط رهيبة تؤزم نفسية المرأة المعنية وتدفعها إلى الهروب. إلى أين؟ إلى أماكن وبيئات هي آخر شيء يمكن تصوره لرعاية الحرية -أي حرية، ناهيك عن حرية المرأة.
هذا المشهد الذي حضر بقوة في خبرتنا مؤخراً، سمم فكرة الاحتفال بيوم المرأة في بلادنا وجعله سوريالياً. أصبح أشبه باستدعاء فرقة موسيقية لتعزف في مأتم. وإذا كُنا جادين في اهتمامنا بواقع المرأة، فإننا معنيون بإعادة قراءة عميقة للأسباب التي تدفع النساء في بلادنا، أو المنتميات إلى ثقافتنا، إلى التطرف. وليس القصد أن تطرف النساء مقصور علينا، لكنه أصبح لدينا ظاهرة واضحة فاضحة مثل الشمس التي لا تُغطى بغربال. وينبغي الاعتراف بأن لدينا أرضاً خصبة لإنجاب هذا النوع من المتطرفات، كبداية للتعامل مع الظاهرة. ولعل من المؤسف بما يكفي أن يشوه هذا التفصيل المريع تفاعلنا مع يوم المرأة.
الغد 2017-03-09