حفلة تنكرية عربية غامضة ومكلفة !
قرأت عدة قصص وروايات عن سهرات وحفلات تنكرية، منها قصة الكاتب والشاعر الكبير ادغار الن بو، كما قرات لغادة السمان بعنوان «سهرة تنكرية للموتى «، اضافة الى عدد من القصص القصيرة العربية التي تتمحور أحداثها حول حفلات وسهرات تنكرية. اللافت في الموضوع ان كل هذه القصص والروايات تضج بالتوتر والخوف والقلق والغموض، وهي تشبه في اجوائها المشهد العربي الراهن بكل غموضه وتوتره و» سورياليته «!!
الثابت أن في الحفلات التنكرية، كما في الروايات والقصص، أن المشاركين يرتدون الأقنعة والملابس التنكرية قصد التمويه وتغيير الملامح الذي يكسبهم الجرأة البديلة والصراحة المؤقته بحيث يقولون ويفعلون ما لم يستطعون قوله وفعله في الضوء وتحت الشمس وفي العلن. لقد ثبت ان الأقنعة تكسبهم الثقة والحصانة والشجاعة الى حين.
هذا المشهد، الذي يختلط فيه الواقع بالمتخيل، هو الذي نعيشه وتعاني منه الأمة العربية من مشرقها الى مغربها، أي أننا في حفلة تنكرية بحجم المرحلة، تتلاعب بمستقبل الأمة اطراف عربية وغربية، اقليمية ودولية، من وراء الأقنعة حينا، وفي العلن أحيانا، لأن العيون اصبحت وقحة والقلوب متحجرة.
في هذه الحفلة التنكرية، تحدث وقائع تتخطى حدود المعقول والمقبول، ونسمع تصريحات واقتراحات غير مقنعة، ولا يقبلها العقل العربي، وتتجاوز قناعات ومعتقدات كل عربي ملتزم بالقضايا الوطنية والقومية والانسانية، وتتقاطع مع المصالح القومية للامة، وترتكب جرائم غير مسبوقة بحق الشعوب والأمم من اجل خدمة مصالح الدول الاجنبية طلبا لرضاها فحسب.
وعلى هامش الحفلات التنكرية العربية، قرأت عن موقف سياسي فرنسي يستحق الذكر في هذه المناسبة. الحكاية حقيقية تاريخية معروفة، ودونها السياسي المعروف الراحل عوني عبد الهادي في مذكراته، وهو الذي عاش في فرنسا سنوات طويلة، تقول الحكاية إن السياسي والمؤرخ الفرنسي جوزيف ادولف تيير زار بسمارك الذي اتخذ قصر فرساي مقرا له بعد هزيمة فرنسا في الحرب مع ألمانيا الموحدة. اللقاء كان بهدف المفاوضة على جلاء جيوش ألمانيا عن فرنسا، ولكن المفاوضات انتهت بالفشل.
عندما انتهت جلسة المفاوضات رغب بسمارك بملاطفة المسيو تيير عندما هم بالمغادرة، فامتدح عمله الموسوعي التاريخي الكبير عن «الكونسولات والأمبراطورية» فرد عليه تيير غاضبا: «انه نابليون بونابرت العظيم الذي يستحق هذا المديح، فانا سطرت بعض ما قام به هذا القائد الكبير من اعمال ستبقى مفخرة له ولوطنه فرنسا». فرد بسمارك بحدة :«كفى.. لا يمكنني أن اشعر بأي احترام لشخص داس بقدميه بلادي». ابتسم تيير وقال :» يا حضرة المستشار..هذا هو شعوري نحوك بالضبط حينما رايت جيوشك تدوس باقدامها أرض بلادي».
استحضار هذه الحادثة التاريخية كان بهدف توصيل رسالة للمشاركين بالحفلة التنكرية العربية، والذين يشترون السلاح ويدفعون الأموال لاستحضار الجيوش الأجنبية الى المنطقة، واحتلال بلاد عربية وتدمير البنية التحتية العربية وتدمير الاقتصاد واغراق كل الدول العربية بالديون.. حقا انها حفلة تنكرية مقلقة ومكلفة جدا.. متى تسقط الأقنعة؟!
الراي 2017-03-16