حين رقص الشيخ مع خصمه اليساري!
الأستاذ عبد الفتاح مورو، أحد أعلام العمل الإسلامي في عصرنا هذا، وهو الآن نائب رئيس مجلس النواب التونسي ونائب رئيس حركة النهضة، وهو أحد قادتها التاريخيين، حظيتُ قبل أيام بجلسة حوارية نادرة معه، حيث استضافه منتدى «الدستور» وقضينا نحو ساعتين هما من أمتع الساعات التي يمكن أن تقضيها مع أي رمز من رموز العمل الإسلامي.
الأستاذ عبد الفتاح مورو، نمط جديد من أنماط رجال العمل الإسلامي، ليس له كثير ممن يشبهونه في جرأته وقدرته على رؤية واقعنا بعيون جديدة كل الجدة، لهذا فهو شخصية مثيرة للجدل، على مدار ساعتين، تحدث الرجل في كل القضايا التي تشغل بال الأمة، وكم شعرت بالفخر شخصيا حينما تحدث عن الدستور كواحدة من روافد ثقافته، حيث قال بالحرف: جئت إلى معلم من معالم الفكر، فأنا أتابع «الدستور» منذ صغر سني، وكنت أتغذى بها! وتلك لعمري شهادة عظيمة حق لكل من نهل من بحر الدستور واستقى منها أن يفخر بها أيما فخر!
-2-
في سياق الحوار، أثيرت حادثة اغتيال السياسي التونسي اليساري شكري بلعيد، واتهام الإسلاميين بعملية الاغتيال، وكم كان مثيرا للانطباع حين نقل لنا الشيخ طرفا من ملامح آخر لقاء له معه في التلفزة التونسية، حيث تمنى بلعيد على الشيخ أن ينضم إلى حركة اليسار فيما تمنى الشيخ عليه أن يضمه إلى الاتجاه الإسلامي، وكيف هيء لهما في نهاية الحوار أن البث انتهى على الهواء، وصادف بث بعض الموسيقى، فأخذ كلاهما يرقصان على أنغامها، وظهرا كلاهما، اليميني واليساري وهما يرقصان، وهو موقف شكل مصدر طرافة وفخر للشيخ، وهو يروي هذه الواقعة ردا على من اتهم التيار الإسلامي باغتيال بلعيد، وهو أيضا موقف يشي بواحدة من أهم مكونات شخصية الشيخ وطروحاته المنفتحة على الواقع، دون تعصب أو انغلاق، وحتى حينما صافح زميلاتنا في الدستور ممن شاركن في جلسة الحوار، كان يبعث برسالة ربما في السياق نفسه، وهي مواقف لا تقل «خطورة» وجرأة عن مواقفه في نقد الإسلاميين، وطريقة تفكيرهم، مما قد يأخذه البعض عليه، ويفسره على هواه!
-3-
من القضايا الخطيرة التي لم يسبق لأحد أن تحدث فيها بمثل الجرأة التي تميز بها الشيخ، معارضته للدعوة للجهاد، التي أطلقها الدكتور يوسف القرضاوي في سوريا، ومن قبل في غير بلد إسلامي شهد حربا «أهلية» فهذه الدعوة من وجهة نظر الشيخ هي دعوة صريحة للتدويل، وهو محق في هذا، لأن «الجهاد» في مثل هذه الحالات يفتح بابا بل أبوابا للعبث الدولي، فتتحول بلادنا ساحات لصراعات دولية، وهذا ما حصل فعلا، سواء في أفغانستان أو العراق أو سوريا وحتى ليبيا، وهي رؤية فذة للشيخ مورو لم يسبقه إليها أحد، وليت «المجاهدين!» إياهم، ومن يدعون لهذا النمط من الجهاد يدركون هذا المغزى العظيم لحديث الشيخ!
-4-
أما رؤيته لقضية المرأة وتطبيق الشريعة وشعار «الإسلام هو الحل» وبقية الرؤى الإسلامية التقليدية، التي أدخلت الأمة في دهليز «الشتاء الإسلامي» فتلك قضايا كبرى لا ينفع معها حديث عابر، وخير لمن يريد أن يستفيد أن يبحث عن حوارات الرجل، ورؤيته الإبداعية في هذه القضايا، سواء في حديثه للدستور المنشور في عدد الأمس، أو أحاديثه الكثيرة المنبثة في وسائل الإعلام، فهذا رجل ابن عصره ويسبقه بسنوات ضوئية، وأحد أعلام الحركة الإسلامية الحديثة، ولا يزاود عليه أحد في نضاله وانتمائه، وخير لمن يريد أن يتلمس طريق المستقبل أن يقرأ هذا الرجل جيدا، وبانتباه شديد، فهو صاحب رؤية استبطانية مستقبلية فذة، حري بالشباب خاصة أن يستمعوا لها جيدا!
الدستور 2017-03-16