جامعة البلقاء: وصفة للنجاح...!
بعد أيام قليلة من تعيينه رئيسا لجامعة البلقاء التطبيقية (حزيران 2016) اكتشف د. عبد الله الزعبي ان الجامعة على حافة الإفلاس لدرجة انه لم يجد في رصيدها ما يكفي لدفع رواتب الموظفين.
بلغة الأرقام كانت الجامعة تعاني من عجز مقداره (8.3) مليون دينار، وعليها مطالبات مالية بنحو (8) ملايين دينار، ومتطلبات تأمين صحي ب (7) ملايين دينار ومستحقات للضمان الاجتماعي ب (5.3) مليون، أما رصيد الجامعة فقد كان مكشوفاً ب(2.4) مليون دينار أيضاً.
كان لا بدّ أن يتحرك على الفور لوضع خطة “إنقاذ”، وقد حصل، فبعد سبعة شهور فقط تمكن من تسديد نحو (25) مليونا من التزاماتها وأغلقت السنة على عجز مقداره (2.6) مليون دينار بعد ان كان مقدراً في الموازنة ب (11) مليونا، ومن المتوقع أن تتزامن نهاية هذا العام مع وقوف الجامعة على قدميها بالشكل الصحيح.
كل ما فعله الرجل أنه أعاد عجلات قطار “الإدارة” الى سكتها السليمة، سواء من خلال اغلاق أبواب الهدر، او ضبط النفقات، اوالاستفادة من الشراكات والتسويات مع المؤسسات الأخرى، او تطوير الخطط الدراسية وفتح برامج جديدة للطلبة...الخ، لكن كلمة السرّ وراء ذلك كانت “الإرادة” المقرونة بالرؤية والحزم والنظافة والمعرفة أيضاً.
أسجل هذه الملاحظة ليس من باب الإشادة والمديح، وانما للدفاع عن “النماذج” الناجحة التي تقف في مواجهة حزب “أعداء” النجاح، ومن المفارقات أن في مجتمعنا طبقتين: احداهما تعتمد أساساً على “التسويق” الزائف للحصول على الثقة والإشادة، وهي لا تنجز وليس لديها ما يؤهلها للبقاء في الموقع العام الاّ من خلال تضخيم الصورة و”بيع” أوهام الإنجاز ، اما الطبقة الأخرى، فهي تعمل بصمت أحيانا وبدون ضجيج، وقد لا تكون لديها الرغبة في تسويق إنجازاتها خشية انقضاض أعداء النجاح عليها، لا دفاعاً عن الوظيفة ورغبة بالبقاء فيها وانما حماية للتجربة والنموذج، وحباً في الإنجاز وايماناً بأن خدمة البلد واجب.
ينتمي الدكتور الزعبي الى الطبقة الثانية، ومن واجب المجتمعات التي تريد ان تتعافى من “عقدها “ الاجتماعي وان تنتصر لقيم العدالة والإنصاف، من واجبها التقاط مثل هذه “الذبذبات” التي تعبر عن روح الإنجاز ، ثم الاحتفاء بها ، لانها تشكل بارقة امل للخروج من أزمات ومشكلات عميقة تعاني منها، سواء على صعيد الإدارة العامة في بلدنا، او حتى على صعيد مجالاتنا السياسية والاقتصادية ايضاً.
وصفة النجاح التي قدمها رئيس جامعة البلقاء لم تقتصر فقط على الجانب المالي وإنما توجهت الى صيدليات أخرى، ابرزها مشروع هيكلة كليات الجامعة من خلال “توطين” نماذج عالمية في مختلف المجالات التعليمية، تصوّر مثلاً ان تتحول كلية الهندسة التكنولوجية “البوليتكنك” الى نموذج لأهم الجامعات الألمانية بموجب اتفاقية بين الطرفين، او ان تصبح كلية الشوبك الزراعية نموذجاً لأفضل ما توصلت اليه خبرة الجامعات الامريكية، وهكذا بقية الكليات التقنية التي يمكن ان تستفيد من فرنسا في الاتصالات او كوريا في هندسة السيارات والصناعات، أو كندا في مجال التقنية، بحيث يدرس طلبتنا أهم ما توصل اليه العلم في بلدهم دون ان يذهبوا للخارج، ويحظى الأساتذة بدورات تدريبية لمواكبة هذا التقدم، وتنشأ شراكات بين الجامعة وغيرها من جامعات العالم المرموقة.
إلى جانب هذا المشروع الذي أتمنى ان يحظى بدعم الدولة، طرحت الجامعة مشروع جذب المزيد من الطلبة للتسجيل بالتخصصات التقنية حيث سجل في الدورة الشتوية نحو (1211) طالباً، وهو رقم غير مسبوق مقارنة بالسنوات السابقة، كما طرحت فكرة الدبلوم الفني لغير الناجحين في التوجيهي، لكنه توقف للأسف، ومن الممكن - بل من الضروري-استئنافه لما يشكله من أهمية في تمكين الطلبة، وهم عشرات الآلاف، من الانخراط في سوق العمل.
إلى جانب العلوم التقنية انتبهت الجامعة الى ضرورة تجديد الوعي والمعرفة لدى الطلبة فقررت عدة مواد منها مادة الإبداع والابتكار والريادة كمتطلب إجباري مجاناً، ومادة حوار الأديان والثقافات، ومادة القانون والمجتمع والمواطنة، وذلك في سياق تكريس القيم الوطنية والإنسانية وتنمية ابداعات الطلبة.
باختصار، وصفة النجاح التي قدمتها جامعة البلقاء في عهدها الجديد تؤكد حقيقة واحده وهي ان لدينا كفاءات قادرة على الإنجاز لا تحتاج لأن تقول لها شكراً...وانما تحتاج أن نشهر نماذجها على الملأ، ونحميها من حزب “أعداء” النجاح.
الدستور 2017-03-16