مجرد كلام؟
تعتقد الحكومة الموقرة أنها كلما رفعت رسوم العمالة الوافدة وعقوباتها منعت قدوم المزيد إلى البلاد، ودفعت المزيد منها للعودة إلى بلدانها، وأنها تجبي عوائد أكبر هي بأمس الحاجة إليها، ولكن النتيجة تكون بالعكس بالنسبة إلى العائدات، فارتفاع الرسوم الصاروخي لن يدفع الوافدين إلى دفعها، لأن كل واحد منهم يدرك أن الآخرين لن يدفعوها لثقلها، وأن الحكومة لن تقدر أو لن تجرؤ على لم مئات الآلاف من غير الدافعين وتسفيرهم مرة واحدة. كما أن هذا الأسلوب يفاقم الفساد.
إذا أرادت الحكومة تعاون الوافدين والمواطنين معها وإقبالهم على دفع الرسوم فلتكن معقولة، فعندئذ سيبادر الجميع إلى دفعها، وستحصل الحكومة على العائد المطلوب. لكنها إذا أصرت على قرارها فإن الشعب سيدفع الفرق ولن تدفع العمالة الرسم، وسيقاوم الشعب المزيد من الرسوم والضرائب وربما يلجأ إلى سلاح المقاطعة التامة.
********
ذكر أحد الأشخاص الذين استوزورا (بكسرالزاي)، أنه لما سأله الرئيس المكلف عن فلان أو فلان لتوزير أحد منهما أنه قال له: أنا أعرف كلاً منهما أفقياً. فسأله الرئيس المكلف: ماذا تقصد؟ فأجاب: إنه لم يكن رئيساًَ أو مرؤوساً لأي منهما، وإنما يعرفهما عن طريق الزمالة والرفقة، ومن ثم فإن معرفته لكل منهما أفقية وليست دقيقة أو كاملة. وأضاف: إن المعرفة الأدق للآخر عمودية أي حين يكون المرء رئيساً للمسؤول عنه، أو مرؤوساً عنده، فعندئذ يعرفه بصورة أدق.
********
قبل أيام كنا في لقاء حميم مع بعض الزملاء والأصدقاء، وقد تطرق بعضهم إلى الحديث عن الماضي القريب مقارناً بين مرحلة اقتصاد الكفاف أو الاقتصاد المختلط حين كان معظم الناس يعيشون على الزراعة وتربية الماشية، ويتماثلون في نوع المعيشة ومستواها، وبين اليوم. وكأن الأمس كان أفضل من اليوم مع أن جميع الحضور لو خيروا بين العودة إلى الأمس والحياة اليوم، لما اختار أحد منهم العودة إلى الأمس أو عودة الأمس إلا إذا كان مضطراً لذلك كما في حالة حرب أهلية أو لحصار يلغي أدوات اليوم ويعيده إلى الأمس.
يحن المرء إلى الماضي لأنه يقيني أي لتجاوزه له بنجاح، ولأنها تلذ به بعض الذكريات، ولكن الحنين إلى الماضي إذا تحول إلى أيدولوجية سياسية فإنه يعني رفض الحاضر والثورة عليه دون استرجاع الماضي كما في حكم داعش الذي يعتمد تقنيات الحاضر ليبقى.
الأنسب من هذه المقارنة الاجتماعية العمودية بالماضي، المقارنة الأفقية بالحاضر، وتعني مقارنة المجتمع نفسه بمجتمع كان أكثر تخلفاً فيه منه في الماضي ثم تقدم عليه. ومن ذلك مقارنة المجتمع العربي نفسه بمجتمع سنغافورة، أو كوريا الجنوبية.. فعندئذ سيعرف لماذا تقدم الآخرون ولماذا تخلف.
********
كانت فكرة التقاعد المبكر غلطة كبيرة، فقد تخلصت شركات كثيرة من الموظفين في المرحلة الإدارية الوسطى قبل وصولهم إلى المرحلة العليا، وبالتالي تخلصوا من أعباء مالية كبيرة. "والنكتة" المحزنة حرمان هؤلاء المتقاعدين من العمل في أي وظيفة في الأردن بعد ذلك، بينما كانوا يسمحون للمعتل كلياً التعيين في وظيفة جديدة عينه عليها لما فيها من غنائم وهو فساد ما مثله فساد.
لقد كان الأولى جعل التقاعد المبكر اختيارياً للموظف وليس حقاً للشركة أو الإدارة عليه، فإذا لم يطلبه لا تستطيع الشركة فرضه عليه.
وبالمناسبة رفعت بعض الدول المتقدمة سن التقاعد إلى ما بعد الستين، لأن سن الستين صار جزءاً من مرحلة الشباب والعطاء في العصر الصحي الذي نعيش فيه، فلماذا نخسر بالتقاعد بسن الستين مديرين أثبتوا جدارتهم وتفوقهم ونزاهتهم في دوائرهم؟ ليكن سن الستين اختيارياً للمدير الكفؤ فيطلب التقاعد به أو يسمح له بتجاوزه.
الغد 2017-03-17