حدود الهُويّة !!
حين نشر اكاديمي عربي يقيم في الولايات المتحدة مقالة بعنوان حدود الهوية القومية اساء بعض النوايا الطيبة من القوميين فهمها وتصوروا بأنه يقول ان العربي ليس عربيا جدا او تماما بل هو عربي الى حدّ ما، والحقيقة انه اراد ان يقبض على الشعرة الدقيقة الفاصلة بين القومية المنفتحة على آفاق انسانية وغير منكفئة داخل شرنقتها الجغرافية وبين الشوفينية، فالعربي كسواه من البشر انسان ايضا، ويشترك في هذه الصفة مع مليارات الناس على اختلاف الاجناس والالوان والعقائد .
وحين اصدرت مجلة لبنانية ذات يوم ملفا يتضمن استفتاء للمثقفين حول الوحدة العربية انطلقت عليها سهام الادانة والتخوين والاتهام بالشعوبية من مختلف الجهات، فالوحدة عوملت كأقنوم مقدس يحظر الاقتراب منه، لكن سرعان ما حدث التحول الدراماتيكي في حياتنا العربية واصبحت الوحدة بالنسبة لمن يصفون انفسهم بالواقعية السياسية حلما رومانسيا او نوستالجيا وبكاء على الاطلال، ورغم كل المزاعم حول العولمة وما يسمى الانسان بلا حدود فإن هناك نزعات قومية حادة بدأت تطفو على السطح .
وقد يكون التلاسن الدبلوماسي الذي حدث بين اردوغان وبعض العواصم الاوروبية وبالتحديد هولندا والمانيا مثالا، لهذا نعود الان الى القول بأن الهويات ككل افرازات التاريخ لها حدود ، وحين تفيض وتفقد اعتدالها وتوازنها تصبح مهددة بالشوفينية والتعصّب !
لمن الفارق بين مفهوم الوحدة قبل خمسة عقود وبين ما تعنيه الان هو ان الوحدة التي عاشت وبنت اعشاشها على اغصان نشيد قومي، ترجلت، ولامست التراب واصبح لها مقومات وضرورات تتأسس على المصالح المشتركة والأمن المتبادل، وما كان بالنسبة للبعض رفاهية او حُلما رومانسيا اصبح الان ضرورة دفاعية لأن عصرنا هو العصر الذي تحولت فيه الدول الى سياقات اقتصادية وجغرافية وأمنيّة ولم تعد هناك دول تكتفي بذاتها وتعيش داخل اسوارها ،
ان ما كان يكتب قبل خمسة عقود وتطلق عليه السهام قد لا يستوقف احدا لو انه كُتِب الآن !!
الدستور 2017-04-02