حين يكون وقف التراجع غاية المنى!
لا يحتاج وضع المنطقة إلى كثير من الفذلكة لتوصيفه، فهو على ذات الحال منذ أربع سنوات تقريبا، ويمكن تلخيصه في تقدم معسكر الثورة المضادة عربيا. أما الأهم فيتمثل في هذا الحريق الذي يجتاح المنطقة، ولا يفيد أحدا من الناحية العملية سوى المعسكر الصهيوني الذي بالغ بدوره في الغطرسة إلى حد الجنون، وجاء فوز ترامب ليمنحه مزيدا من الآمال والطموحات.
من هنا، ورغم هذه الغطرسة الصهيونية التي تتجلى في ممارسات على الأرض، من قمع واستيطان وتهويد، ومن الناحية السياسية في استخفاف بكل القرارات الدولية ومساعي الحل السياسي، إلا أن أحدا لم يأمل من القمة العربية ما هو أكثر من الثبات على الموقف التقليدي من الحل السياسي بعيدا عن الطروحات التي يروّج لها الطرف الآخر، ويبدو أن ترامب سيتبناها من الناحية العملية.
ما خرجت به القمة من تأكيد على ما يسمى “حل الدولتين”، والمبادرة العربية، هو تنويع على الطرح التقليدي الذي يتردد في أروقة القمة منذ عقود، وإن تراجع نسبيا بالمبادرة العربية في 2002، عبر الحديث عن حل بالتوافق لقضية اللاجئين، بما ينطوي على نسخ لحق العودة كتجسيد واقعي، مقابل البحث عن حلول أخرى؛ مؤكد أنها تناسب العدو أكثر من الفلسطينيين.
ما يريده العدو أصبح واضحا كل الوضوح. إنه الحل الانتقالي بعيد المدى الذي لا يعطي الفلسطينيين أكثر من دولة بلا سيادة في حدود الجدار، أي على حوالي 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، بدون سيادة، وبدون القدس بالطبع، من دون أن يقال إن تلك القضايا قد نُسخت، بل جرى تأجيلها لـ10، أو 15 سنة أخرى، يجري خلالها العمل على تطبيع العلاقات العربية الصهيونية، وليتحوّل الصراع إلى مجرد نزاع حدودي، وبالتالي تحويل المؤقت إلى دائم من الناحية العملية.. وكل ذلك بغطاء عربي، وبتطبيع عربي أيضا.
هذا هو الحل الإقليمي الذي تحدث عنه ترامب ونتنياهو، وبشّر به توني بلير أمام “الإيباك” يوم الأحد الماضي، وهو الذي أصبح موضع إجماع في الوسط الصهيوني إثر تأييده من قبل جميع الفرقاء؛ من الليكود وحتى أقصى اليسار (اليمين المتطرف يرفصه قولا وسيمرره فعلا لو أتيح، تماما كما ترفض السلطة الفلسطينية ذات الحل قولا، بينما تمضي فيه تكريسا على الأرض، عبر سلطة تحت عباءة الاحتلال).
والحال أن ما تم التوافق عليه في القمة هو حصيلة الموقف العام الذي كان يمكن تمريره، لكن هل يمكن القول إنه نهاية المطاف؟
الإجابة هي لا بكل تأكيد، ذلك أن المساومات الراهنة والقادمة مع عدد من الدول العربية، قد تغير مواقف البعض، ومعلوم أن قرارات القمم العربية شيء، ومواقف كل دولة لوحدها شيء آخر، ولا شك أن وجود مفتاح ترامب بيد نتنياهو، ووجود المعضلة الإيرانية وإرادة استقطاب أمريكا ضدها، مع علاقات دافئة لأنظمة عديدة مع الصهاينة، وحاجة تلك الأنظمة للدعم، سيجعل من تغير المواقف أمرا وارادا.
كل ذلك يبقى في دائرة الاحتمالات في ظل حالة سيولة يعيشها المشهد الدولي؛ والمشهد الإقليمي في آن، وفي ظل حقيقة أن ما يريده الصهاينة هو تصفية عملية القضية الفلسطينية، وستصطدم محاولات تسويقه بإرادة الجماهير الفلسطينية التي قد تقلب الطاولة في وجه الجميع عبر تصعيد الانتفاضة؛ وبرفض الجماهير العربية أيضا، وهذا الجانب الأخير هو ما يجعلنا مطمئنين نسبيا إلى فشل المؤامرة، تماما كما فشلت مساع ما بعد أوسلو لتكريس الكيان الصهيوني سيدا على المنطقة، وكما فشلت من بعدها خطة المحافظين الجدد ممثلة في غزو العراق وجعله محطة لإعادة تشكيل المنطقة، وبالطبع على مقاس المصالح الصهيونية.
الدستور 2017-04-02