منظمة التحرير وصناعة المرجعية
هناك احتمالية حقيقية أن تبدأ الآن عملية سياسية وتفاوضية، بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، بغض النظر إن كانت ستؤدي لنتائج أم لا، أحد أهم الفروق هذه المرة أنّ أحد الفصيلين الرئيسيين الفلسطينيين، وتحديداً حركة "حماس" أبدت موقفاً إيجابيا رسمياّ من حل الدولتين، أضف لذلك فإنّ هناك بوادر مواقف عربية ودولية مشجعة.
ذهب الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب يوم 3 آيار (مايو) الحالي، بعد أن استطاع أن يحصل على موقف عربي مهم في قمة عمان العربية في البحر الميت، نهاية آذار (مارس) الفائت، بنفي كل الإشاعات عن تغيير في المبادرة العربية، كما ذهب بعد أن قام بجولة عربية بددت أي حديث عن خيوط مقطوعة مع الدول العربية الرئيسية، كما كان يروج، ويمكن الآن، وقبل مجيء ترامب للمنطقة هذا الشهر، تعزيز الكثير من أوراق القوة والمرجعيّات الشعبية والدولية.
بعد التوتر بين وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبحسب تقارير إعلامية، نقلا عن مصادر ألمانية وأوروبية، أدت خطوة نتنياهو لغضب ألماني وهناك تدارس لما سيكون عليه الموقف الأوروبي إذا فشلت زيارة ترامب. ورغم أهمية الموقف الأوروبي، فإن الرهان على موقف أوروبي، يبقى أقل أهمية بكثير من الرهان على المرجعيات العربية والإسلامية والفلسطينية لتعزيز الموقف الفلسطيني.
عاد التوتر بين تركيا والإسرائيليين، بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضد تهويد القدس، وتزامن ذلك مع تقديم مساعدة بقيمة عشرة ملايين دولار، وذلك للمرة الأولى، للسلطة الفلسطينية، ومثل هذه المواقف يمكن البناء عليها.
لا شك أن ما سيسمعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء زيارته للسعودية، في طريقه لفلسطين، بالغ الأهمية، ومثل هذه الزيارة حتى لو كانت لدراسة رغبة أميركية في إطار إقليمي يجمع الإسرائيليين والعرب، فإنها يمكن أن توضح أن لا بداية حل ولا تحرك دون الفلسطينيين، ودون المسألة الفلسطينية. وبالتالي إذا خرجت الآن مواقف عربية قوية، واستكمل الفلسطينيون تكريس الدعم العربي فهذا سيكون بالغ الأهمية.
سيثار مع القيادة الفلسطينية عاجلا أو آجلا، إن لم يكن قد أثير فعلا، مسألة مدى وحدتهم وبالتالي مدى تمثيلهم للفلسطينيين. ولعل انتخاب اسماعيل هنية، ووثيقة "حماس" الجديدة، تشكلان مدخلا لتأكيد مرجعية فلسطينية شعبية للتحرك السياسي، فإذا كان ممكناً طرح المشكلات مع قطاع غزة الآن، فمن الممكن أيضاً عقد لقاءات مع قيادة "حماس" الجديدة، وتوجيه أسئلة لها بشأن كيف يمكن تجسيد وثيقتها الجديدة لتكون جزءا من تحرك سياسي مشترك. ويمكن الاستعانة بتركيا وقطر ودول أخرى لرعاية هذا التنسيق.
ذهاب الرئيس عباس وهو لديه مواقف من نوع موقف أردوغان، ومواقف عربية، سيوضح أن بعض القضايا مثل القدس لها بعد عربي وإقليمي، وانّه لا يمكن لترامب الاعتقاد أنه يمكن أن يلعب ورقة القدس لدفع الفلسطينيين لتقديم تنازلات أخرى، أو الاعتقاد أن موقفا أميركيا ما في القدس أو بشأنها، قد يعوضه تقديم شيء ما للفلسطينيين.
الذهاب لأي لقاءات سياسية مع وجود تنسيق مع "حماس" له فائدتان، الأولى توجيه رسالة بوجود وحدة وطنية فلسطينية وبالتالي توجيه رسالة أن تحقيق اتفاق توافق عليه القوى الفلسطينية الأساسية ممكن. والثانية، أنّ مثل هذا الاتفاق يجب أن يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، ولا يجب طلب المزيد من التنازلات من الفلسطينيين، لأنّ هذا يضر فرص التوصل لحل يرضي الغالبية الفلسطينية، وبالتالي مثل هذه المرجعية الوطنية قد تعزز أوراق ووضع الفلسطينيين التفاوضي.
تركيز الرئيس الفلسطيني على وجود مرجعيات عربية وشعبية وفصائلية فلسطينية، يجب التنسيق معها واستشارتها دائماً، سلوك شائع في علم المفاوضات، فأنت توضح أنّ هناك قرارات لها مرجعيات يصعب تجاوزها، وبأنه لا يمكن تجاوز العرب وتركيا، والقواعد الشعبية، والفصائل الأخرى، وإلا فإنّ فرص التوصل لحل يمكن تطبيقه تصبح ضعيفة. وبالتأكيد أن العمل على تنسيق المواقف مع "حماس" ومطالبتها بذلك يقطع الطريق أيضاً على خطط أو تكهنات، بأنّ مواقف "حماس" الأخيرة تأتي في سياق مفاوضات أو ترتيبات منفردة تقوم بها "حماس" مع الطرف الأميركي أو أي طرف آخر.
الغد 2017-05-10