سقوط «الترامبية» في فرنسا !
لا أحد يستطيع أن يسرق أو يسبق فرحة المستشارة الألمانية ميركل وابتهاجها بفوز الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي اعتبرته ألمانيا فوزا للوحدة الأوروبية، كما جسّد آمال الشعب الفرنسي بمستقبل افضل.
جاء فوز ماكرون وتهنئة ميركل ( القطب القيادي في الاتحاد الأوروبي) على وقع الاحتفالات في روسيا واوروبا بذكرى الانتصارعلى النازية في الحرب العالمية الثانية (عيد النصر- 72)، وعلى ضجيج تصاعد المشاعر الشوفينية والفاشية اليمينية المتعصبة في المجتمعات الأوروبية التي تتحرك نحو اليمين المتطرف الذي تمثله «الترامبية» في أميركا والجبهة الوطنية الفرنسية في أوروبا.
في اللحظة التاريخية الحاسمة انحاز الفرنسيون الى هويتهم الحضارية والفكرية والثقافية التي عمادها الحرية والمساواة والعدالة، وتصدوا للتيار اليميني العنصري المتطرف، الذي تقوده بقوة ماري لوبان، واسقطوا النموذج «الترامبي» في فرنسا، بعد انتشار حالة القلق والهلع في اوروبا كلها، خوفا من تقدم اليمين المتطرف للحكم في اوروبا، بعدما تمكن التيار اليميني المتطرف في الولايات المتحدة من حمل الرئيس ترامب الى البيت الأبيض.
النصر الكبيرالذي حققه مكرون، والذي فاق التوقعات، عندما حصل على ضعف اصوات لوبان، كان بفضل وعي الفرنسيين، على أمل أن يضع حدا لتنامي التيار اليميني العنصري. ولكن المعركة ما انتهت، فالرئيس المنتخب يستعد لمراسم استلام الرئاسة يوم الأحد المقبل في قصر الأليزيه، ليبدأ مشواره الأصعب.
ولكن دخول قصر الأليزيه ليس كالخروج منه هذه المرة، فالرئيس المنتخب ماكرون يشكل حدا بين تاريخين في الجمهورية الخامسة التي كان شارل ديغول اول رئيس لها، خصوصا ان هناك بعض الالتباس في فهم شخصية الرئيس الشاب المنتخب، فهو مزيج من كل الأطياف السياسية الفرنسية، وأعني أنه ليبرالي اشتراكي ديمقراطي يساري يميني وسطي، وفي نهاية الشوط شكل وقاد حركة «الى الأمام» التي قال عنها انها لايسارية ولا يمينية، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ رؤساء فرنسا.
وكما في حالته السياسية أثار ماكرون الكثير من الدهشة والجدل في الشارع الفرنسي، كذلك في حالته الاجتماعية من حيث السن، فهو اصغر رئيس في تاريخ فرنسا، كما ان زواجه غير مالوف او تقليدي لأن زوجته (معلمته) تكبره بحوالي 24 عاما على الأقل. رغم كل هذه التناقضات في مسيرته السياسية والاجتماعية يحاول ان يفتح افق المستقبل الجديد امام الأجيال الشابة في فرنسا، ألا انه يدرك ان نجاح مسيرته في السلطة لن يكون بالسهولة التي قهر بها منافسته ماري لوبان التي ستجلس على مقاعد المعارضة الى جانب اليسار المتطرف الذي التقى معها في معركتها الانتخابية!!
الحقيقة ان معالم الطريق الثالث في فرنسا بقيادة ماكرون غير واضحة حتى الآن، لأن فرنسا مقبلة على انتخابات تشريعية في الشهر المقبل، وهي المعركة التي ستكون بمثابة الامتحان الأصعب، الذي يواجهه الرئيس الجديد، لأن المطلوب منه أن يحصل على مقاعد الأغلبية في البرلمان، أو أنه يدير المعركة لصالح عهده ضمن ائتلاف مع احزاب اخرى قريبة من نهجه، والا سيواجه معارضة قوية ستكون قادرة على تعطيل برنامجه، وعرقلة مسيرته التي شعارها «الى الأمام».
في النهاية نقول ان الرئيس المنتخب يدرك حجم المصاعب التي تواجهه، ويعرف كيف يعالجها أو يحتويها، كما ان النخب السياسية والفكرية والثقافية التي تؤمن بالحرية والمساواة تستطيع ان تحرّك الوعي الوطني عند الفرنسيين لمواجهة التيار اليميني العنصري المتطرف، ومنعه من اختطاف فرنسا وتغييرهويتها الديمقراطية، كما حدث عندما اختطف الفوضويون الثورة الفرنسية وساد عهد الارهاب وانتشر القتل الجماعي والاعدامات بالمقصلة (على طريقة داعش) اليوم، الى ان وضعت المقصلة ذاتها حدا لحياة قادة الأرهاب والتطرف!!
الراي 2017-05-11