«كُرد سوريا».. بين ترامب واردوغان
هل يُلغي اردوغان زيارته الوشيكة لواشنطن أم يؤجّلها؟ قد يكون السؤال سابقا لأوانه، وبخاصة ان انقرة تُعوّل كثيراً على اول لقاء يجمع بين الرئيس التركي اردوغان والرئيس الاميركي ترامب, منذ تولي الاخير سلطاته في العشرين من كانون الثاني الماضي، وكان اردوغان قال بانه على ثقة «بأننا في اللقاء سنفتح مع ترامب صفحة جديدة في العلاقات التركية الاميركية»، لكن صفحة كهذه لا يبدو ان فتحها سيكون ممكنا او واردا, بعد المفاجأة المدوية التي احدثها قرار الرئيس الاميركي تسليح المعارضة السورية الحليفة لواشنطن، لخوض معركة الرقة التي يبدو ان العد العكسي لها قد بدأ، وربما يكون موعد اندلاعها مباشرة بعد القمة الاميركية التركية ــ إن عُقِدَت ـــ او قبلها، كي يضع ترامب حليفه في الاطلسي, امام الامر الواقع ولا يترك له هامش مناورة او فرصة لمحاولة تغيير الوقائع الميدانية عبر تنفيذ تهديداته بالتقدُّم الى منبج او التوغل نحو الرقة من مثلث الحدود العراقية السورية, كما كان أعلَن سابقا في احد خطاباته, وبخاصة بعد «فوزه» في الاستفتاء الذي جرى الشهر الماضي, والذي سيتحول بموجبه النظام البرلماني القائم الى نظام رئاسي بعد عامين من الآن (2019).
ليس صدفة اختيار الرئيس الاميركي الاعلان عن قراره تسليح قوات حماية الشعب الكردية التي تشكل غالبية قوات سوريا الديمقراطية, عشية زيارة الرئيس التركي المقرّرة في السادس عشر من الشهر الجاري. هذا القرار الذي كان بإمكانه تأجيله حتى مغادرة اردوغان الاراضي الاميركية، الاّ ان حسابات الإدارة الاميركية يبدو انها لا تتطابق واهداف اردوغان, الذي طالما لوّح بخيار «التصرف لوحده» في حال اختارت واشنطن «الجماعات الارهابية» بديلا منه في معركة الرقة, ولم يتوقف عن التهديد باتخاذ خطوات اكثر تأثيرا على واشنطن, في تلميح كما يبدو, الى منع الاخيرة من استخدام قاعدة انجرليك, ما اسهم بالتالي, في تسريب انباء عن ان وزارة الدفاع الاميركية (وهي بالمناسبة الاكثر تشدّدا في مواصلة الرهان على الاكراد لخوض معركة الرقة)، في صدَد التخلِّي عن هذه القاعدة، لصالح بناء قاعدة بديلة في اراضي «الحكم الذاتي الكردي» الذي سينشأ بدعم اميركي في سوريا, بعد انتهاء الازمة وهناك من قال إن العمل بدأ فعلاً لإنجاز تلك القاعدة.
التوقيت الاميركي إذاً, جاء مقصوداً لذاته وبذاته، وإدارة ترامب تبدو وكأنها اتخذَت «الاحتياطات» اللازمة لتلقي ردود الفعل التركية الغاضبة, التي سيُعبّر عنها اردوغان او اركان حكومته بما في ذلك امكانية الغاء او تأجيل الزيارة, التي باتت هي الاخرى في مهب الريح، اذا ما اخذنا في الاعتبار الطريقة التي يُعبر فيها الرئيس التركي عن آرائه في القضايا والملفات الخلافية او الحسّاسة, كما هي حاله حيال اكراد سوريا وطموحهم غير الخفِي في انشاء منطقة حكم ذاتي وتسميتها( فيدرالية... روج آفا) التي اقاموها ولم يتراجعوا عنها حتى الان، بل هم رفعوا راية «التمرّد» على حليفهم الاميركي, بعد استهداف الطائرات التركية لمعسكراتهم في الشمال السوري، وهدّدوا بانهم لن يواصلوا تقدمهم نحو الرقة بعد ان سيطروا على الطبقة، اذا لم يتوقف القصف التركي. وكان لهم ما ارادوا، بل هم قاموا بحشد قوات لهم في مواجهة الجيش التركي، وقصفوا مواقعه بالمدافع, في رسالة تحدّ تقول.. بانهم مستعدون للمواجهة, وكان رد الفعل الاميركي مؤيدا لهم، وإن جاء على شكل قوات «فصل» على جانبي الحدود السورية التركية.
كثيرون تحدثوا عن جدول اعمال مباحثات اردوغان المُنتظَر في واشنطن, وتوقّعوا ان يكون الموضوع الابرز هو حسم القُوى المشارِكة في معركة الرقة ودور القوات الكردية فيها, وسط تكهنات(تُركِية بالطبع) بان ترامب «سيرضَخ» في النهاية لرغبة اردوغان, ويسمح للجيش التركي بالمشاركة بديلا من الكرد، ولكن ذلك بات الان من الماضي, بعد ان تبنّى ترامب وجهة نظر الجنرالات في وزارة الدفاع الذين ما يزالون – كما كان عهدهم في ادارة اوباما – يُعوِلون على الاكراد, وان كان عبرَ الصيغة الأميركية المُلتبسة التي تقول: انها انما تراهن على «العرب» في قوات سوريا الديمقراطية, وانها بعد تحرير الرقة ستطلب من الاكراد العودة الى مناطقهم وأن يتركوا لسكان المحافظة, حرية تشكيل مجلس ادارة مدنية لها, تُشارك فيه كل مكونات المدينة العِرقية والطائفية، في الوقت ذاته الذي يقول فيه البيت الابيض في معرض تبريره لقرار تسليح المعارضة السورية الحليفة له (اقرأ الكردية): انه معني بطمأنة الشعب والحكومة التركية في هذا الخصوص, وانه يدرك المخاوِف التركية في هذا الشأن.
ردود الفعل التركية ستبدأ بالظهور وربما تكون جولة الرئيس التركي الراهنة في بعض الدول العربية الخليجية, مناسَبة لإعلان مثل هذا الموقف، إلاّ ان احدى ابرز النتائج الاولية على القرار الاميركي, هو ان واشنطن لم تعد تكترث بمواقف انقرة, وانها ماضِية في تنفيذ خططها «السورِية» التي بدأت هي الاخرى بالبروز تباعا, على نحو يشي بانها تستعد لمعركة اقليمية واسعة في حال تم مواجهتها أو عرقلتها, ولن تكون معركة الرقة, سوى مجرد فصل من فصولها, وبخاصة ان العواصم الاقليمية تعيش في وضع الترقب والحذَر والقلق من اندلاع حرب اوسع, ظن كثيرون انها باتت مستبعدة أو مؤجّلة فإذا بطبولها قد بدأت تُقرع وتُسمَع اصداؤها... في جنبات المنطقة وعلى تخومِها.
الراي 2017-05-11