المدارس الخاصة تدر ذهبا
العام الدراسي شارف على الانتهاء، والمدارس الخاصة راكمت ارباحا جنونية تصل الى مئات الملايين من الدنانير، وتفكر وسط غياب للرقابة الحكومية وآليات المحاسبة والمساءلة برفع رسوم التسجيل للعام الدراسي المقبل.
ولم يعد خافيا على أحد أن الاستثمار في التعليم يدر ذهبا، ولا شك أن ادارات المدارس الخاصة لا تصدر اوراقها القانونية امام الجهات الرسمية المعنية سواء وزارة التربية والتعليم والضريبة والضمان الاجتماعي المنوط بها الاشراف والمراقبة وتطبيق القانون، فميزانيات المدارس الخاصة وارباحها تختفي بأوراق سرية وعبر تلاعب بعقود تشغيل المعلمين واشراكهم بالضمان الاجتماعي وعقود اجورهم الشهرية التي تلامس بخجل الحد الادنى للاجور.
ووسط ما نشاهد من انزياح كمي باعداد المدارس الخاصة، فقد بات ملحوظا أن التعليم في الاردن ينحدر الى مستويات متدنية، ورغم تولد ميول جديدة لدى اولياء امور باعادة اولادهم الى المدارس الحكومية، الا أنهم يصطدمون بما يطال التعليم الحكومي من اهمال يصيب كل اركان العملية التعليمية.
يبدو حقيقة أنها لعنة التعليم في الاردن، عندما يصبح التعليم لعنة، فماذا قد يبقى في بلد يعاني اقتصاده ومعيشة مواطنيه من التآكل والتفتت، ويراهن تاريخيا صانعو القرار في دوائره الضيقة على الموارد البشرية أي «الانسان / الفرد » كفاعل مركزي ومؤثر في البناء والانتاج والتنمية وتطوير الاقتصاد.
كلفة التعليم التي يتحملها الاهالي تستنزف سنويا نحو 25 % من مداخيل المواطنين وربما أكثر، والاقساط المدرسية التي تدفع بمعاناة وغلبة شديدة بأحيان كثيرة، كل عام دراسي يطالها ارتفاع غير مبرر، تقريبا يمكن القول أن كلفة التعليم في الاردن هي الاغلى على مستوى العالم.
ولربما أن أكثر ما هو محرج في الاسئلة المطروحة عن التعليم، السؤال عن الرقابة والاشراف الحكومي على العملية التعليمية، وما يتحوط بها من انهيار واخفاق ملموس في الاداء والمستوى، بل إن السؤال والاكثر ايلاما عندما يصنف الاردن في قائمة الدول التي تعاني من الاخفاق والفشل التعليمي، بعدما كانت تحتل مكانة متميزة في العالم العربي والشرق الاوسط، واكثر ما هو مخجل وأنت تحفر باعماق هذه الاسئلة ما ينفقه الاهالي على التعليم، يبدو أنها اسئلة الاجابة عنها محاطة طبعا بأكوام من الشكوك.
ما بين كلفة التعليم الباهظة والارقام الجنونية لارباح المدارس الخاصة وتدني وتراجع مستوى العملية التعليمية لا تنحصر المفارقة الاردنية بهذه الجوانب وملامحها، بل تتجاوزها الى جانب ما هو مرتبط حتما بتكريس نمط من « تعليم فاشل» يستنزف الراسمال الوطني وليس بقادر على رفد الاقتصاد الوطني بموارد بشرية مؤهلة ومدربة وتعليمها ملائم لحاجات سوق العمل.
وختاما، لم يعد من المفهوم لماذا تترك المدارس الخاصة دون غطاء قانوني ورقابي، أليس من المسؤولية الوطنية أن يعاد توجيه تلك الارباح الجنونية للنهوض في التعليم بكل اركانها؟، فهذه الاموال الباهظة من حق المواطن قبل الدولة أن يسأل عن مشروعية تحصيلها بعيدا عن أعين الدولة واجهزتها الرقابية والاشرافية.
الدستور - الأحد - 14/5/2017