وضع المناهج المدرسية ليس سهلا كما يظنون
قبل قيام المسؤولين أو المفوضين بوضع المناهج المدرسية، يجب عليهم أن يقرروا أو أن يختاروا الفلسفة التي يجب عليهم التقيد أو الاسترشاد بها لوضعها. وهي مسألة تستغرق كثيراً من الوقت والجهد وليس من السهل بذلها:
هل هي الفلسفة الإسلامية السُّنية في التعلم حيث الأجوبة جاهزة والنقل يتقدم على العقل، والعبادات على المعاملات...؟
هل هي الفلسفة القومية الداعية إلى الوحدة العربية أو الاتحاد والنهوض القومي العربي؟
هل هي الفلسفة الإنسانية القائمة على الكرامة الإنسانية التي تقوم عليها جميع مواثيق ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني؟
هل هي الفلسفة المثالية حيث الحقيقة روحية أو عقلية، والمعرفة مجرد تفكير في الحقيقة الخفية (الميتافيزيكيا) والقيم مطلقة لأنها مستمدة من السماء؟
هل هي الفلسفة الواقعية حيث الحقيقة موضوعية وتتكون من المادة والشكل، والمعرفة حسية تجريبية، والقيم مطلقة وخالدة لأنها مستمدة من قانون الطبيعة؟
هل هي الفلسفة البراجماتية (التجريبية) حيث الحقيقة نتاج التفاعل بين الفرد والبيئة، أو الخبرة، والمعرفة قائمة على المنهج العلمي؟
هل هي الفلسفة الوجودية حيث الوجود يسبق الجوهر، والمعرفة شخصية، والقيم اختيارية؟
هل هي التحليل الفلسفي الذي يرفض الميتافيزيكيا لأنها غير قابلة للفحص والتحقق؟
وهكذا..
هذه مجرد عينة من الأسئلة التي يجب أن تطرح قبل أن ينطق أحدهم بكلمة في المناهج، أو يمسك بالقلم لكتابة خط، وهي مقدمة لم يلتفت إليها أحد من قبل في وزارة التربية والتعليم منذ أن نشأ قسم المناهج واتسع وتحول إلى مديرية، والآن إلى مركز ومجلس.
وبعد أن يتم الاتفاق على فلسفة ما أو جملة من فلسفات، يجب ان يسأل الواضعون أو المفوضون أنفسهم عن النظريات التعلّمية التعليمية التي يجب أن تتبناها المدرسة، ومعاهد إعداد المعلمين والمعلمات قبل الخدمة وفي أثنائها:
هل هي نظرية الذكاء الطبقية العنصرية البائدة التي ترى أن الذكاء فطري، وأنه ثابت، وان تعلّم كل طفل/ة يرتبط بنسبة ذكائه؟
هل هي نظرية التفاعل الاجتماعي التي تعتبر التعلّم والتعليم عملية نفسية اجتماعية، وأن قدرة الطفل/ة (السوي) على التعلّم غير محدودة، أو محدودة بحدود هذا التفاعل؟
هل هي النظرية التقدمية المستمدة من الفلسفة البراجماتية التي تدعو إلى تعليم كل طفل/ة حسب اهتمامه وحاجاته؟
وهكذا..
إن النظرية أو المعتقدات التعلمية التعليمية التي يؤمن بها المعلم/ة هي التي توجهه. ومن هنا يجب أن يبدأ إعداد المعلمين والمعلمات ولكن نحو النظرية (التفاعل الاجتماعي) التي تعتبر قدرة الطفل/ة على التعلّم غير محدودة، فيحلق في الآفاق إذا كان التفاعل إيجابياً، وينحط إلى القاع إذا كان سلبياً، وأن المعلم/ة (المدرسة) هو الذي يتحمل المسؤولية عن التعلّم لا الطفل أو الأسرة فقط.
في ضوء ذاك توضع أهداف التربية والتعليم، وتتكون من هدف عريض كبير لا يرتبط بمنهاج مادة معينة مثل قولنا: "تخريج تلاميذ ملتزمين وقادرين على التعلّم باستمرار وعلى الابتكار والإبداع والمنافسة في عصر العولمة"، ومن أهداف تخدم هذا الهدف مستمدة من المتعلمين أنفسهم، ومن المجتمع، ومن الخبراء، والمعلمين، والمعلمات، والإدارات، والآباء، والأمهات، والفلسفة المختارة، وسيكولوجية التعلّم وسوسيولوجيته.
وبعد القيام بكل ذلك يجب الاتفاق على المنهج المتلائم مع الفلسفة والنظرية والأهداف، وأن يتغير بتغير المجتمع والعالم ولكنه أياً كان (قد) لا يخرج عما يلي:
منهاج محوره الطفل/ة (Child Centered)
منهاج نشاطات (Activity Centered)
منهاج مواد/ موضوعات (معلومات) (Subject- Matter Centered)
المطلوب منهج خلاّق يوفر الحرية للأطفال والتوازن بين الطفل/ة والموضوع والمعلم/ة وبحيث يبقى الطفل/ة / التلميذ/ة محورالمنهاج.
هذا ما يعلمونه في كليات التربية اليوم، وهذا ما يجب أن تعرفه اللجان التي ستهبط على المناهج بالبراشوت لتضعها دونه. ومع هذا يجب أن يقف الجميع إلى جانبها وأن يدعمها إن كانت تتعلّم.
المنهاج طريق البر، والشرعة طريق الماء.
قال تعالى: "لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً" (5:48).
قالت رابعة العدوية: "بنى سلطاننا برقوق جسراً: بأمرٍ والأنام له مطيعة"
مجاز في الحقيقة للبرايا: وأمرُ بالمرور على الشريعة (النهر والإسلام).
الغد 2017-05-15