يوم في .... حياتنا !!
هل يمكن لأربع وعشرين ساعة فقط من حياة الانسان ان تختصر العمر كلّه، او على الاقل تقدم منه عيّنة نموذجية قابلة للتكرار ؟
روايات وافلام عديدة حاول اصحابها رصد حياة ابطالهم لمدة يوم واحد فقط، منهم ستيفان تسفايج في رواية اربع وعشرين ساعة في حياة امرأة، ورواية للروسي سولنجستين ايضا عن يوم في حياة ايفان، ولو قرر مثقف عربي ان يكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين ولو لمرة واحدة ويكتب عن اربع وعشرين ساعة من حياته لأثار دهشة من يقرأونه، لأنهم قد لا يصدقون ما يقول بدءا من استيقاظه المتثاقل من النوم الذي قاطعته الكوابيس حتى منتصف الليل الذي لا يسمع فيه من وراء النافذة غير مواء قطط ونباح كلاب ضالّة !
اذكر ان كاتبا فرنسيا علّق على مذكرات طه حسين التي نشرها في كتابه الايام مستغربا من احداثها الأليفة وأيامها الرتيبة، وقد يكون لطه حسين عذره لأنه فقد بصره مبكرا، لكن ما هو عذر من لا يستخدم عينيه على مدار الساعة الا للتعبير عن اندهاشه مما يرى ؟ ثم لا يروي الا ما يتوقعه الآخرون وما يرون انه المسموح به !!
إن يوما واحدا يكفي لأن يمارس الانسان عينات من الحياة التي تستمر على مدى العمر، سواء من حيث النوم بضع ساعات او تناول ثلاث وجبات وقراءة كتاب ومشاهدة فيلم وزيارة صديق وقد يتبقى له وقت ليلعب التنس او يسبح او يتجول على ارصفة المدينة !
لكن ايامنا اصبحت دقائق، لهذا سبقنا الراحل خليل حاوي حين تساءل كيف تمطّ ارجلها الدقائق وتستحيل الى عصور، وحين قال ايضا هذه العقارب لا تدور !
ربما لهذا السبب نتخيل الحياة اكثر مما نعيشها، ثم نصدق بمرور الوقت اننا عشنا ما تخيلناه وشربنا من السراب حتى ارتوينا !
وحين كتب الشاعر بابلو نيرودا جعل عنوانها مثيرا لحسد الذين يتخيلون الحياة ويحصلون على اشباع كاذب لكل رغباتهم وهو « اشهد انني قد عشت «.
ومن حق المثقف العربي الذي فقد المشيتين واصبح كالمنبت الذي لا حياة ابقى ولا عمرا قطع ان يجعل لمذكراته عنوانا مضادا هو اشهد انني لم أعش !!
الدستور 2017-05-17