حروب “السايبر” في ضوء الهجمة الأخيرة
بحسب الدوائر الأمنية الغربية، أصابت الهجمة الإلكترونية الأخيرة ما يقرب من 200 ألف جهة في حوالي 150 دولة على مستوى العالم، قبل أن يتمكن شاب بريطاني في الـ22 من العمر، من وقفها؛ أقله مؤقتا، بكلفة 10 يورو!! وبجهد أسبوع متواصل من العمل.
ما جرى يفتح الأعين مجددا على مخاطر هذا اللون من الهجمات على المصالح الدولية من جهة، في ذات الوقت الذي ينبغي أن يفتح الأعين على هذا اللون من الاستثمار في العقول المبدعة القادرة على تحقيق عوائد إيجابية مهولة من خلال العمل في الفضاء الإلكتروني، في وقت لا تبدو مجتمعاتنا فقيرة في تلك العقول لو أحسن استغلالها من قبل أهل الرأي والمال، بدل أن يذهب كثير من رجال الأعمال في العالم العربي نحو التنافس في بناء الأبراج والفنادق والمنتجعات السياحية لا غير.
لهذه القضية بُعد أمني وعسكري، وبُعد اقتصادي، وفيما تسعى الكثير من الأنظمة إلى الركض وراء البعد الأمني من أجل مطاردة أصوات المعارضة وإسكات الناس، فإن البعد الاقتصادي يبدو غائبا، مع أن الجانب الأمني يمكن أن يمتد ليصل أشكالا من القوة تعوض الضعف في المجال العسكري (تكنولوجيا النانو تبشر بالكثير)، فيما يُستثمر ذلك لاحقا في المجال الاقتصادي كما فعل الكيان الصهيوني.
عدونا انتبه لهذه القضية مبكرا جدا، وربما قبل أي أحد آخر، فقبل ثلاثة شهور وصف نتنياهو قطاع التقنيات المتقدمة “السايبر” في كيانه بأنه “البطة التي تبيض الذهب لإسرائيل؛ ليس على المستوى الاقتصادي فقط، بل على الصعيد الاستراتيجي والدولي”.
وأضاف نتنياهو أن دولته توظف صناعة التقنيات المتقدمة و”السايبر” في تعزيز علاقاتها مع دول العالم، لا سيما في دول آسيا، مطلقا على الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة مسمى “دبلوماسية التكنولوجيا”.
وقال: “علينا أن نستغل القدرات الخيالية لشعبنا مقارنة مع الشعوب الأخرى”؛ موضحا أن دولته بفعل تقدمها التكنولوجي تحوّلت إلى “عنصر جوهري ومهم ومؤثر في الساحة الدولية رغم مساحتها الصغيرة”، ومضيفا أن “علينا عدم الاكتفاء بمواجهة الهجمات علينا، بل نحن مطالبون بالبحث عن فرص”.
يشار إلى أن صناعة التقنيات المتقدمة تمثل 11% من الناتج المحلي الإجمالي في الكيان الصهيوني، وتشغّل 9% من اليد العاملة.
في تلك الأثناء التي ورد فيها حديث نتنياهو كان يُعقد في الكيان الصهيوني ثالث أهم مؤتمر عالمي يناقش القضايا المتعلقة بالحرب الإلكترونية، وفيه كُشف عن أن الجيش الإسرائيلي يعد المصدر الرئيس للقوى البشرية المدربة التي تستعين بها الشركات الإسرائيلية الخاصة المتخصصة في مجال الفضاء الإلكتروني، واستخدام التقنيات المتقدمة، وبالطبع بعد تسريحهم من الجيش.
هكذا دمج الكيان الصهيوني بين البعد العسكري والأمني في النشاط الإلكتروني، وبين البعد الاقتصادي، فكان أن حقق نجاحات باهرة، بينما تقبع دولنا العربية في ذيل القائمة على هذا الصعيد، رغم ما تملكه من عقول وطاقات شبابية لا تقل، بل ربما تتفوق عن نظيرتها في الكيان، لكن الفارق هو في طريقة التوظيف والاستثمار. والله المستعان.
الدستور 2017-05-17