نسبُ آل النشاشيبي

المدينة نيوز- يذكر المؤرِّخ مصطفى مراد الدبَّاغ في القسم الثاني من الجزء التاسع من كتابه الموسوعي ( بلادنا فلسطين ) أن الملك الأشرف أبو النصر قايتباي سلطان مصر أرسل الأمير محمد بن أحمد بن رجب بن ناصر الدين الذي كان يعرف بالنشاشيبي نسبة إلى حرفة عائلته ( صناعة النشَّـاب ) إلى بيت المقدس في عام 874هـ- 1469م ليضع حداً لما وصلت إليها أحوالها من غلاء قصم ظهور أهاليها ، ومن انتشار لعصابات السرقة وقطع الطرق ، بالإضافة إلى انقسام أهالي القدس إلى شيع متنافسة ، وعهد السلطان قايتباي إلى النشاشيبي بمهمة إعادة الأمن والإستقرار في بيت المقدس، فقام النشاشيبي بالمهمة خير قيام ، وينقل الدبَّـاغ عن كتاب ( الأُنس الجليل بتاريخ بيت المقدس والخليل ) لمؤلفه مجير الدين الحنبلي نبذة عن النشاشيبي وما قام به في بيت المقدس حيث ورد في كتاب الحنبلي ما يلي : " باشر ( النشاشيبي ) تدبير الأمور حتى صلح منها ما كان فسد في زمن برديك التاجي ، وتحوَّلت أحوال بيت المقدس إلى الخير ، وحصل الرخاء ، واستبشر الناس بالفرج بعد الشدة ، وتباشر الناس من بركة الأمير ناصر الدين النشاشيبي " (انتهى كلام الحنبلي) ، وفي العام التالي 875هـ- 1470م عهد السلطان قايتباي إلى النشاشيبي بنظارة الحرمين الشريفين في القدس والخليل بالإضافة إلى منصبه كنائب للقدس (حاكم) ،  وكان النشاشيبي من اهل الصلاح وعمل الخير ، والأرجح أن عائلة آل النشاشيبي المقدسية تعود بجذورها إلى الأمير المملوكي محمد بن أحمد بن رجب بن ناصر الدين الذي كان يعرف بالنشاشيبي ، حيث تكاثر أعقابه بمرور الزمن حتى تشكـَّـلت منهم عائلة آل النشاشيبي ، ولكن يبدو أن نفوذ العائلة لم يظهر إلا في أواخر القرن الثامن عشر حيث يلاحظ أن إسم عائلة آل النشاشيبي لم يرد في كتاب ( عائلات القدس المتنفذة في النصف الأول من القرن الثامن عشر- دراسة من خلال الوثائق الشرعية )  لمؤلفته الدكتور أسماء جاد الله الخصاونة فقد اقتصرت الأسماء على عائلات الحسيني والخالدي والدجاني والعسلي والدقاق ( فرع من العسلي ) والعلمي واللطفي والنـِّمَّري.
ويذكر كتاب ( معجم العشائر الفلسطينية )  لمؤلفه الباحث محمد محمد حسن شرّاب أن آل النشاشيبي من عائلات القدس العريقة وأنها كانت تتنازع الزعامة مع عائلة آل الحسيني المقدسية ، ويتحدث شرّاب عن أحد رجالات آل النشاشيبي الأديب العلامة محمد إسعاف بن عثمان النشاشيبي (1882م 1948م) الذي كان يُلقب بأديب العربية والذي كان يوصف بأنه معجم لسان العرب الذي يمشي على قدمين تقديراً لتبحـُّـره في علوم اللغة العربية وشدّة اهتمامه بها ، كما يتحدث شرّاب عن الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي الصحفي والكاتب الذي أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات ومنها كتاب ( أريد أن أصلي في المسجد الأقصى ) ، كما يتحدث عن السيد راغب النشاشيبي (1880-1951م) الذي كان ممثلاً لأهالي القدس في مجلس المبعوثان العثماني "مجلس النواب" في العهد العثماني ، كما تولى رئاسة بلدية القدس في عام 1920م وشغل المنصب لعدة دورات كان آخرها في عام 1934 ، وكانت رئاسة بلدية القدس موضع تنافس بين عائلةِ آل النشاشيبـي مع عائلتي آل الحسيني وآل الخالدي حيث كان يتوالى على المنصبِ شخصياتٌ من العائلات الثلاثة كان راغب النشاشيبـي أحدهم .
وعندما بدأ عربُ فلسطين ينشطون في تشكيل الأحزاب السياسيَّة انتقل التنافسُ بين العائلات المقدسية إلى العمل الحزبي وخاصةً بين آل الحسيني وآل النشاشيبـي الذين أخذوا في ذلك الحين موقعَ المنافسةِ مع آل الحسيني بعد أن فترت حرارة التنافسِ بين آل الحسيني وآل الخالدي، وعندما تبنـَّـى آلُ الحسيني بتشجيع من الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وفلسطين الدعوةَ لتشكيلِ حزبٍ سياسي أطلقوا عليه اسم " الحزب العربي الفلسطيني " في عام 1934م واختاروا السيِّد جمال الحسيني رئيساً له ، تبنـَّـى آلُ النشاشيبـي تشكيلَ حزبٍ سياسي منافس أطلقوا عليه إسمَ " حزب الدفاع الوطني " في نفس العام 1934م ، واختاروا السيِّد راغب النشاشيبـي رئيساً له ، ولم تكن عائلة آل الخالدي بعيدة عن التنافس في ساحةِ العمل الحزبي الفلسطيني فتبنـَّـت تشكيلَ حزبٍ أطلقوا عليه اسمَ حزب " الإصلاح العربي الفلسطيني " واختاروا الدكتور حسين فخري الخالدي رئيساً للحزب ، ويبدو أن بروزَ السيِّد راغب النشاشيبـي كمنافس للحاج أمين الحسيني الذي كان يُمثِّلُ في نظر الشعب الفلسطيني الرمزَ الشعبيَ الرافضَ للوجود البريطاني في فلسطين قد وضع راغب النشاشيبـي في دائرة الاتِّهام بالوقوفِ إلى جانبِ الإنجليز في محاربتهم للحاج أمين الحسيني وللتيار الوطني الذي كان يتزعَّمُه ، ولكنَّ المؤرِّخَ العربي عجَّاج نويهض ينفي هذه التهمة عن راغب النشاشيبـي ويدلي بشهادته بحقِّ راغب النشاشيبـي في كتابه ( ستون عاماً مع القافلة العربية ) (ص210، 213) مؤكداً أنَّ راغب النشاشيبـي لم يكن يستحقُّ تلك الحملات ، ويمضي عجَّاجُ نويهض في شهادته قائلاً : زُبْدَةُ القولِ إنَّ راغب النشاشيبـي كان سخياً كريمَ أليدِ ، عطوفاً على المحتاجين ، وكان بابُه مفتوحاً للأصدقاء وللضيوف على الدوام ، ولقد كان في القدس في زمن الانتداب بيتان من  آل النشاشيبـي يرتفعُ بهما الرأسُ ، بيتُ راغب النشاشيبـي ، وبيتُ أديب فلسطين والعروبة إسعاف النشاشيبـي ، وتأتي أهمِّية شهادة عجَّاج نويهض في رفض تهمة التعاون مع الإنجليز عن راغب النشاشيبـي من كون عجَّاج نويهض من أنصار الحاج أمين الحسيني الذي كان النشاشيبـي ينافسه على الزعامة في الشارع الفلسطيني ، كما أنَّ نويهض عمل في معيَّةِ الحاج أمين الحسيني خمسة عشر عاماً .